الاثنين، 13 ديسمبر 2010

قراءة في كتاب وليام شالر (7) النظام السياسي


1)   نظام الحكم :
وقف الكاتب عند نظام الحكم الجزائري مليّاً وأطنب في وصفه وتحليله في مواطن عدّة من كتابه [1] وهو يصفه بالنظام العسكري الديكتاتوري والنظام البسيط والساذج  وبالقسوة والحدّة والشدّة وبالفساد والمحسوبية والذاتية والأنانية وأنّه يغلب عليه الدسائس والمؤامرات ... فهو يقول في وصف النظام ككلّ :[2]«...فإنّ هؤلاء البسطاء تمكنوا من إقامة الحكومة التي سمحت لهم بها الظروف , على غرار النموذج الوحيد المعروف لديهم للحكومة , وهي الحكومة العثمانية, وأقاموا دستورهم على مبدأ الغزو والفتح[3] , مع الاحتفاظ للإنكشارية وحدهم بحقّ شغل مناصب الثقة والمناصب الشرفية أو المناصب التي تدر مكاسب . وقيمة هذا النظام تثبتها استمراريته , حيث أنّ هذه الإدارة استمرت ثلاثة قرون على نفس الطراز , إذا استثنينا حالات طفيفة من التغيّر . والواقع أنّ هذا النظام عبارة عن جمهورية عسكرية ينتخب رئيسها لمدى الحياة. وهو بشكل مصغّر , يشبه النظام الذي قام في الإمبراطورية الرومانية بعد وفاة كومدس Commodus  » اهـ  أما عن حاكم الإيالة الداي فيقول:[4] « إنّ داي الجزائر حاكم مطلق يطيعه الجميع في حياته ولكن حكمه متزعزع , والموت الطبيعي بالنسبة إليه حادث من الحوادث الطارئة...» ويقول أيضا [5]:«وإذا كان انتخاب الداي من حيث المبدأ من اختصاص الديوان , فإنّ هذا الانتخاب يجري , عادة في جوّ من المؤامرات وتنتصر فيه الفئة القوية من الانكشارية. وهذا الانتخاب تَصْحَبُهُ دائما مأساة دامية. فإنّ الداي يُذبح لكي يترك العرش لمغامر أسعد حظّا منه , وكذلك يُقتل أنصاره وأصدقاؤه وتنهب أموالهم أو يبعدون . وهذه العمليات تقطع الهدوء الذي يسود البلد والشؤون العامة , وفي ظرف أربع وعشرين ساعة ينتهي كلّ شيء. »اهـ  وفي نفس الموضوع يقول :[6] «وأيّ تركي مهما كان أصله ووضعه , بمجرد ما ينخرط في الانكشارية , يستطيع أن يرشح نفسه لمنصب الداي......ولقد حدث كثيرا أن ساعد الحظ أحطّ الأشخاص وأسوأهم للخروج من الحالة التي كانوا فيها مغمورين ليرتقوا عرش الجزائر , والإنسان يستطيع  أن يشاهد في الجزائر قبور سبعة مغامرين أعلن انتخابهم ملوكا وقتلوا جميعا في نفس اليوم . ولاثبات مدى حظهم من الاحتقار , دفنوا على قارعة الطريق . والداي الذي ينتخب لا ي ستطيع رفض هذا الشرف ولا الاستقالة من منصبه وبالنسبة إليه , لا يوجد في العالم سوى مكانين : العرش أو القبر » ويقول أيضا : « وانتخاب الداي لا بدّ من أن يؤكده السلطان الذي يعترف الداي بسيادته , وهذا التأكيد لم يرفض قطّ , وهو يمنح مع لقب الباشا , الذي هو اللقب المستعمل . وأما لقب الداي , فهو لا يكاد يلفظ في الجزائر , وإنّما يستعمله الأجانب , والمرجح أنّه كان في مبدأ الأمر مجرد كنية , حيث أنّ معناه باللغة التركية (العمّ) .ودايات الجزائر يملكون ويمارسون جميع سلطات السيادة , عقب انتخابهم مباشرة .  وتنصيب الداي رسميا لا يقع إلاّ بعد وصول تأكيد السلطان لانتخابه , ووصول القفطان التقليدي وسيف الدولة . والقفطان والسيف يرسلان عادة بأسرع ما يمكن بواسطة (قبجي باشا) أو مبعوث الدولة . »
أما عن الديوان أو مجلس النواب وهو أهمّ مؤسسة في الجزائر آنذاك فيقول القنصل[7]: «وهذا النظام يقوم على رئيس يتمتع بالسيادة ويحمل لقب الداي و وعلى ديوان (أو مجلس أعلى) يشتمل على عدد غير محدود من الأعضاء الذين هم ضباط قدماء أو كانوا ولا يزالون يقودون تشكيلة عسكرية . والديوان هو الذي ينتخب الداي ويتداول في الأمور التي يرى الداي عرضها عليه. تلك هي النظرية التي يقوم عليها نظام الحكم في الجزائر . وعلى ضوء هذه المبادئ تختلف أهمية الديوان وما يتمتع به من الثقة , باختلاف شخصية الداي وبراعته . وقد كان الديوان في الماضي جهاز الدولة الحقيقي , فكان يعقد جلسات بانتظام ويتصرف في الأموال , ويدّعي الحقّ في أن يناقش جميع الإجراءات الحكومية ويتخذ قرارات بشأنها , ولكنّه الآن أصبح مجرد شبح لا حول ولا قوة له . بل إنّ وجود الديوان نفسه أصبح مشكلة , لولا أنّ الداي عمر باشا قد استدعاه للانعقاد في 1816 لكي يبحث موضوع المفاوضات لعقد معاهدة بين الايالة وبريطانيا . والواقع أنّه منذ أن انتقل مقرّ الداي إلى القصبة , يمكن اعتبار الديوان مجرد حبر على ورق في دستور المملكة...   »
    مجلس الوزراء  وهو الجهاز التنفيذي في الحكومة الجزائرية فيقول عنه [8]: «الوزراء هم : الخزنجي الذي تشمل سلطته الشؤون المالية والداخلية , والأغا الذي هو القائد الأعلى والذي يمكن تسميته بوزير الحربية , ووكيل الخرج أو وزير البحرية والشؤون الخارجية , وخوجة الخيل وهو المشرف على أملاك الدولة , وصاحب هذا المنصب لم يلبث أن زادت أهميته , بسبب أهمية المنصب من الناحية المالية . وهؤلاء الوزراء يشكلون مجلس وزراء الداي , وهو الحكومة الحقيقية التي تحرّرت من كلّ سيطرة للديوان . »  وقد توسّع في وصف دايات الجزائر وخصّ الداي عمر بوصف مطوّل أظهر فيه إعجابا بأخلاقه ومروءته وانبهارا ببساطته  وتواضعه وعدله ... كما ذكر[9] قصة رجل  الدولة الذي جاءه فقيرا محتاجا يطلب قرضا بدولار واحد ثمّ ما لبث بعد سنين معدودة أن صار خزنجي الحكومة يتقاضى 50000 خمسين ألف دولار سنويا ...
تعقيب :  إنّ وصفه لنظام الحكم في الجزائر يكاد يخلو  تماما من الموضوعية والمنهجية العلمية, فهو أولا ينطلق ابتداء من عقليته الاستعمارية وعقيدته الصليبية فيزعم أنّ النظام أصلاً قام من أجل ترويع المسيحيين[10] , والسرقة والنهب2في عرض البحر , واستغلال الأهالي[11]  وكلّ ما ذكره بعد ذلك إنّما هو قائم على هذه الأسس المغلوطة...وهذا غير صحيح فالحكم التركي العثماني  بالجزائر أوّل ما قام قام بطلب من الأهالي أنفسهم وقام على أساس الدفاع عن شمال إفريقيا من الحملات الصليبية الإسبانية والبرتغالية وحماية المهاجرين الأندلسيين ومساعدتهم على الهجرة والفرار من بطش محاكم التفتيش الصليبية بل ومحاولة استرداد الأندلس كما صرّح بذلك خير الدين بربروس نفسه... ثمّ إنّ الذي يسميه القنصل نهبا وسلبا وغزوا إنّما هو جهاد وفتح وهو شيء كان متعارفا عليه في ذلك العصر فما تقوم به الجزائر تقوم به إسبانيا والبرتغال والنمسا وهولندا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الغربية المتحضرة في حسّ الكاتب ...ثمّ إنّ العلاقة بين الدول يومها كان الأصل فيها المواجهة والحرب خاصة بين العالمين الإسلامي والصليبي إلاّ ما استثني بمعاهدات صلح يسعى كلّ جانب فيها إلاّ تحقيق أكبر قدر من المصالح من خلالها ... أما ما يسميه الكاتب ترويعا للعالم الصليبي المتحضر فلعله لم يلاحظ أنّ الجزائر لم تنتقل إلى أوروبا قطّ ولم تهاجم هذه الدول المتحضرة في بلدانها بل لم تزد عن الدفاع عن الجزائر ضدّ الغزو الإسباني والفرنسي والبريطاني الهولندي ...فمن روّع الآخر يا ترى ...
الأمر الثاني الملاحظ على كلام المؤلف المغالطات والتأويلات التاريخية  لخدمة هدفه الصليبي الاستعماري , حتى وإن كان إنّما ينقل حوادث تاريخية ثابتة وحقيقية فإنّه من خلال مواضع وكيفية نقلها وتعليقاته عليها وربّما تجزئتها و إخفاء بعضها يحاول إثبات زعمه بهمجية النظام واستبداده وأنّ هذه البلاد لا نجاة لها ولا سلامة منه إلاّ باستعمارها من قِبل أمة صليبية متحضرة ...فذِكره  ـ مثلاً ـ للدسائس والمؤامرات التي تصاحب تعيين الداي لا يخلو منها نظام قطّ حتى أصبحت السياسة مرادفة للدسائس والمكر ومضادة للفضيلة  والأخلاق ... وما كان يحدث في الجزائر من التنافس على الحكم إلى درجة قتل الدايات وتسميمهم أمر ذائع ومشهور ولكنّه اقتصر على فترتين من تاريخ الحكم العثماني في الجزائر الفترة الأولى في زمن الآغات وقد تولى رياس البحر وضباط الجيش تصحيح هذه المرحلة بتغير نظام تداول الحكم والانتقال إلى مرحلة الدايات و والفترة الثانية هي التي سبقت الاحتلال الفرنسي مباشرة وقد  كانت هزيمة الجزائر نتيجة منطقية وعادلة لفساد النظام في هذه الفترة ...
...ولو قارنا بين الولايات المتحدة والجزائر للاحظنا أنّ الأمريكيين في كلّ عشرة رؤساء يقتلون واحدا منهم[12]
الأمر الثالث : هو تناقضه العجيب وتخبّطه الغريب فهو يصف نظام الحكم بأبشع ما يمكن وصفه به ولكنّه بعد ذلك حين يتعرض للحديث عن بعض أفراده كالداي عمر الذي تولى منصب الداي سنة 1814 م والذي خصّه بوصف طويل استغرق حوالي أربعة عشرة صفحة (160 ـ 174) يبدو من خلاله انبهاره بمروءته ونبله وبأخلاقه وفضائله وبتواضعه وعدله وبحنكته وسياسته ...وحتى الدايات الذين جاءوا من بعده وذكرهم الكاتب كعلي خوجة الذي وصفه بالقوة والحدّة أو بعده الداي حسين ...فهؤلاء الثلاثة هم الدايات الذين عايشهم الكاتب وتعامل معهم وهؤلاء هم الذين تهمّنا شهادته في حقّهم لنتخذها كمصدر من  مصادر توثيق ذلك العهد أمّا غيرهم فالكاتب مثلنا  ولا يختلف عنّا يرجع إلى غيره ليتعرف عليهم ويصدر أحكامه وفق ما يسمع أو يقرأ لا غير ...
الأمر الرابع والأخير: يقرّ الكاتب أنّ قيمة أيّ نظام وقوّته إنّما تُعرف باستمراريته وبما حقّقه من أهدافه المسطّرة أوّلا , والحكم التركي استمرّ في الجزائر أكثر من ثلاثة قرون مع العلم أنّ الولايات المتحدّة الأمريكية لم يمرّ على تأسيسها أكثر من قرنين ونيّف لا غير , أمّا من حيث الأهداف فالحكم العثماني في الجزائر إنّما قام لصدّ الهجمات والحملات الصليبية على شمال إفريقيا (أو على ترويع العالم الغربي المتحضر ـ كما اصطلح عليه الكاتب ـ) وقد تمكّن من تحقيق هذا الهدف وحافظ على سلامة البلاد وأمنها بل أصبحت الجزائر مثار رعب ومصدر رهبة وخوف بعدما كانت محلّ أطماع الصليبيين وكادت أن تسقط في أيدي الأسبان بعدما سقطت الأندلس ...
2)   الأقاليم السياسية والإدارية للجزائر : يقول الكاتب[13] :«... ومملكة الجزائر تنقسم من الناحية السياسية إلى ثلاث ولايات : وهران في الغرب وتيطري في الجنوب وقسنطينة في  الشرق . فأمّا ولاية تيطري فيحدّها من الناحية الغربية نهر مزفران (3,12 درجة طول شرقي) الذي يفصلها عن ولاية وهران ومن الناحية الشرقية نهر ببراك [14] الذي يفصل بينها وبين ولاية قسنطينة (4,15 درجة طول شرقي) . والمعتقد أنّ الولايات الثلاث تمتد من البحر الأبيض شمالاً حتى الصحراء جنوبا وعاصمة المملكة تقع على شاطئ تيطري (36,48 درجة عرض[15] شمالي , 3,30 درجة طول شرقي ) ويدّعي الدكتور شاو أنّها تقع في مكان مدينة إيكوسيوم (ICSWM) القديمة . وسلطة مدينة الجزائر تمتد على مساحة شاسعة , وكثير من حكومات الولايات الثلاث تابعة لها ...ومن ثمّ يمكننا اعتبارها ولاية رابعة»  ... أما عن حكام هذه الأقاليم فيصفهم بالاستبداد وبخدمة مصالحهم الشخصية وأنّ شغلهم الشاغل هو جمع المال من خلال ما يفرضونه ويُسِنّونه من الضرائب والإتاوات والغرامات المختلفة ... فهو يقول[16] : «...والبايات الثلاثة الذين يحكمون الولايات والذين يعيّنهم الداي في مناصبهم ويزودهم أيضا بسطوته وبسلطته الاستبدادية كما يلحق بكلّ واحد منهم وكيلا أو مراقبا للشؤون المالية . وكلّ ولاية تُفرض عليها شريبة بمبلغ معين طبقا لمقدوراتها المفترضة على دفعه , وتتلقى وزارة المالية على قسطين مرة كلّ ستة أشهر ...ووضع الباي وضع مضطرب ومتزعزع حتما , واستبدادهم والضغط الذي يمارسونه على الولايات الخاضعة لسلطتهم من أجل جمع الموارد المالية التي تسمح لهم بالاحتفاظ بمناصبهم , شيء لا يوجد له , بالتأكيد مثيل في تاريخ  الشعوب . تلك هي الحالة البائسة التي يعيش فيها سكان هذه المملكة , وكلّ محاولة من الباي لضمان العدل أو اللين في الولاية , ستعتبر سعيا لكسب رضا الشعب وحسن السمعة , وهو أمر تدينه الحكونة المركزية وتستنكرهه , والباي الذي تثبت إدانته بهذا الذنب , كما تدلّ على ذلك أمثلة عديدة , سيدفع ثمن غلطته بأمواله وحياته. والبايات مسؤولون عن تقديم تقارير مرة في كلّ ثلاث سنوات بالحساب القمري إلى الحكومة المركزية , ويسير إلى الجزائر في احتفال وبذخ عظيم , وعلى هذه المناسبة يتوقف استمرار عملهم وسلطانهم , بل وحياتهم أيضا . كلّ شيء يتوقف على مدى استطاعتهم إشباع جشع الداي وأعضاء حكومته . ولقد أخبرني مسؤول يتمتع بالثقة أنّ كلّ زيارة يقوم بها باي وهران وباي قسنطينة للحكومة المركزية تكلّفه ما لا يقلّ عن 300000 دولار . وبهذه المناسبة يتحتم تقديم رشوة لكلّ واحد من الضباط ولكل واحد حسب ما يتمتع به من المكانة والنفوذ , ولكن هذه المبالغ الإضافية لا يدفع منها شيء إلى الخزينة العمومية . »
ونختم هذا المبحث ببيان أهمّ ما جاء في توصيف الكاتب لنظام تسير الأقاليم الثلاث:
‌أ.       تعيين بايات الأقاليم وحكامها إنّما يتم من طرف الداي الحاكم المركزي نفسه
‌ب. يعيّن مع كلّ باي مراقب مالي تابع للداي مباشرة يقدم له تقريراته ولا يخطع لسلطة الباي
‌ج.  مدّة عمل الباي وإدارته للولاية محدّدة بثلاث سنوات قابلة للتمديد
‌د.     مراقبة الداي المالية تتمّ كلّ ستّة أشهر من خلال ما يرسله من الأموال المجموعة من الضرائب والزكاوات والغرامات
‌ه.      المراقبة العامة تتمّ كلّ ثلاث سنوات بحضوره الشخصي أمام الداي
‌و.     سياسة البايات مع الرعية مفروضة من الداي نفسه وأيّ تغيير فيها سيؤدي حتما إلى إزاحته وربّما إزهاق حياته
‌ز.     فساد النظام في الولايات والأقاليم الثلاث بسبب الرشوة والمحسوبية ..
‌ح.  استبداد البايات وظلمهم
‌ط.  الضغظ الكبير وغير المحتمل على البايات لتوفير أكبر قدر من الموارد المالية من أجل الحفاظ على مناصبهم
تعقيب : بقي أن نشير إلى نظرة الكاتب السوداوية لنظام الولايات فهو كما يصفه نظام استبدادي لا يوجد له مثيل في تاريخ الشعوب والأمم ... والمبالغة هنا جلية واضحة ...وسببها أجلى وأوضح إذا علمنا أنّه يعتبر إصلاح هذا النظام مستحيلا لأنّه ليس بيدّ القائم عليه (الباي) وأيّ محاولة للإصلاح ستفشل وستؤدي بالضرورة إلى تغيير الباي المصلح بآخر أسوء منه ... فما هو الحلّ في نظر الكاتب ؟ لن يكون إلاّ بزوال نظام الأتراك الدخلاء وتجليتهم عن هذه البلاد واستبدالهم بأمّة صليبية متحضرة قادرة على إقامة العدل والنهوض بهذه الأمة المسكينة المغلوبة على أمرها...[17]
3)   داي الجزائر :
عايش القنصل شالر ثلاثة دايات خلال مدّة عمله في الجزائر وهم على التوالي عمر باشا وعلي خوجة والداي حسين وقد تعرّض في كتابه لبيان بعض أوصافهم وسياستهم وطريقتهم في الحكم[18] وسنخصّ كلامه عن الداي عمر بالتوضيح والبيان لأنّه الأوسع والأشمل والأكثر بالمقارنة مع وصف غيره من الدايات ولأنّ الكاتب تعامل معه مباشرة أكثر من غيره فحكمه عليه له قيمة علمية وتاريخية إذا  تحفظنا على عداوته للجزائر ومقته للأتراك ورغبته في زوال حكمهم وسيطرتهم وما لهذه الأمور من تأثير على أحكامه وتقييماته ...
الداي عمر باشا  1814 ـ 1817 : تعامل القنصل شالر مع الداي عمر أكثر من غيره من الدايات بسبب أنّ المعاهدات والمفاوضات التي قادها القنصل وشارك فيها تمّت جميعها في عهده ... لهذا السبب خصّه بوصف معمّق ودقيق نجمله فيما يلي :
‌أ.       أوصافه الخَلقية [19]: «...فأما قامته , فتبلغ خمسة أقدام وعشرة أو إحدى عشرة بوصة , وهو قويّ البنية نشيط الحركة جميل المظهر ولونه يميل إلى السمرة , ولحيته كثيفة الشعر سوداء لامعة وقد خطها الشيب , وملامحه منتظمة وعيناه سوداوان معبرتان ولكنه لم يكن ينظر إلى أحد في وجهه مباشرة ولا يرتفع بصره إلى الشخص الذي يتحدث معه إلاّ بصورة خاطفة, ومظهره العام يتّسم بالوقار...»
‌ب.أصله : يعتبره الكاتب واحدا من الجنود الانكشاريين لا يختلف عنهم من حيث كونه ينتمي إلى أحطّ طبقات المجتمع التركي أو أنّه لص قديم تائب أو أحد رواد السجون أو كما ينحدر من أصل إغريقي ثمّ اعتنق الإسلام ... فقد قال بعد وصفه للانكشاريين بأقبح الأوصاف ونعتهم بأبشع النعوت : «...إلى هذه الطبقة ينتمي الداي عمر باشا الذي ولد في جزيرة (متلين) ليسبوس القديمة [20]....»
‌ج.  حياته الخاصة :  أسرته [21]« ...كان الداي متزوجا بزوجة واحدة ولد له منها ثلاثة أطفال وقد كان يقضي أوقات فراغه في منزله وبين أفراد أسرته حيث يجد كلّ سعادته. »  «...ولمّا ارتقى عمر باشا العرش , بعث بمن يحضر أمه وأخاه الذين وصلا إلى الجزائر في صيف 1816 م , ولكنّه يبدو أنّ الداي كان يعتبر نفسه في حالة ميئوس منها , لأنّ أخاه عاد إلى جزيرته الأصلية بعد المعركة مباشرة . وقبل أن تقلع السفينة التي تقلّه , (مع أم الداي وابنه) استدعى الداي قبطان السفينة السويدية مع قنصل السويد وقدم للأوّل هدية رائعة , وأوصاه بأن يعتني  بأمه وولده , أعزّ شيء لديه في أيام وحدته , وبهذه المناسبة لم يستطع الداي حبس دموعه التي سالت غزيرة , كما أخبرني قنصل السويد[22]
‌د.     كيف وصل إلى الحكم [23]: «...جاء الداي عمر إلى الجزائر وهو يبلغ من العمر الثالثة والثلاثين برفقة أخيه الذي يبدو أنّه كان رجلا يتحلى بصفات ممتازة , حيث أنّه لم يلبث أن احتلّ منصب الخليفة , أو المسئول عن الشئون المالية في الولاية الشرقية , ونظرا لأنّ عمر كان يرافقه دائما في تنقلاته , فقد اكتسب معرفة دقيقة بشئون البلد الداخلية . وكذلك كانت الحرب مع تونس والثورات والاضطرابات التي شهدتها الجزائر فرصة للداي لكي يبدي فيها شجاعته النادرة وذكاءه الوقاد . ولما أصبح أخوه مشبوها فيه , قتل بأمر من أحمد باشا  , وقد نجا عمر من نفس المصير بالتجائه إلى إحدى الثكنات حيث تولى الجنود حمايته , وقد كانوا معجبين به أشدّ الإعجاب . وعقب هذه الأحداث بوقت قصير , هلك الداي أحمد , وتولى العرش مكانه الداي علي الذي حكم البلد بضعة أشهر , ثمّ تخلى عن مقاليد السلطة للداي الحاج علي الذي كان يلقب بالنمر , بسبب ما اشتهر عنه من القسوة . وكذلك اشتهر الحاج علي بإعلانه الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية . والداي عمر مدين الحاج علي الذي عيّنه في منصب الأغا , أو القائد الأعلى للجيش , الذي بدت فيه مواهبه , خصوصا في تنظيم إدارته , كما أبلى بلاء حسنا في ثورة باي وهران (1813 ـ 1814) تلك الثورة التي كانت تهدد مدينة الجزائر نفسها .... [وبعد وفاة الداي] ... اتّجه الداي عمر إلى  مدينة الجزائر , فقدّم إليه التاج بإجماع , وقد كان من الممكن أن يتلقاه دون أن يرتكب جريمة . ولكنه لأسباب مجهولة رفض التاج وألح على ضرورة انتخاب الخزنجي  أي رئيس الوزراء لهذا المنصب . والشيء الذي نعرفه اليوم عن هذا الشخص قليل ولا يكاد يتجاوز أنه رجل معتدل متقدم جدا في السنّ , وقد رفض الخزنجي بكل حزم المنصب المحفوف بالأخطار الذي عرض عليه و لكنه قيل له أنّ عليه أن يختار بين التاج والموت . وبعد ذلك بأربعة عشر يوما قتل هذا الشيخ بدون أي سبب مفهوم[24] , واعتلى الداي العرش  » تولى الداي عمر الحكم من 11 ـ 04 ـ 1815  إلى 02 ـ 05 ـ 1817 م
‌ه.     أوصافه الخُلقية :
ü   ضبط النفس : «... وقد اشتهر بضبط النفس بحيث لم يعرف عنه أية فقد توازنه في مناسبة من المناسبات ...[25]»
ü   رجحان العقل : «...كان الداي عمر يتمتع بعقل راجح وإدراك سريع و وكان نبيل الشخصية...2»
ü   تواضعه : «...وبعدما ينتهي عمله اليومي يشاهد الداي عادة وهو يتجه إلى منزله الخاص بدون حراسة , ولا يرافقه سوى خادم واحد يحمل مصباحا أمامه ...[26]»
ü   مجلسه : «...ومتى كان مزاجه رائقا يكون مجلسه ممتعا ويسحرك بأخلاقه , ولكنه حينما يأخذه الغضب يصبح وجهه أدكن , ومنظره حزينا ولا يجرأ أحد عن الاقتراب منه , على أنّ تصرفاته دائما تدلّ على النبل , وفي بعض الأحيان يصدر منه ما يدلّ على المودة والصداقة...[27] »
ü   شدّته :  تقدم قوله «...ولكنه حينما يأخذه الغضب يصبح وجهه أدكن ولا يجرأ أحد عن الاقتراب منه ...» ويقول أيضا: «...والبعض يلومون الداي عمر على ارتكابه بعض الأعمال التي تدلّ على القسوة والتي كانت بدون فائدة , وهذا الاتهام قد يكون صحيحا , ولكنّني أعزو هذه الأعمال إلى الجو الأخلاقي العام وإلى الميل إلى القسوة والعنف الذي يسود بين هذه الشعوب , ولكنه يجب أن نذكر أنّ التاريخ الحديث يقدم لنا أمثلة صارخة للقسوة والعنف بقدر ما يقدمه من أمثلة للعدالة والاعتدال في البلدان المتحضرة...[28] »
ü   تشدّده في أمور الشرع والدين: [29] «...كان الداي عمر ذا صفات أخلاقية رفيعة ولكنه كان ضيق أفق التفكير في الشؤون الدينية والسياسية معا , فإنّ أيّ اعتداء على حدود الشرع يتعرض صاحبه للعقاب الشديد في عهده»
ü   القتال بنفسه مع جيشه :  قال عنه يصفه في المعركة التي خاضها ضدّ اللورد البريطاني إكسموث سنة 1816م «...كان الداي عمر يشاهد في كلّ مكان محفوفا بالخطر بل إنّ الباشا كان يستعمل بنفسه عدّة مرات قطع المدفعية المواجهة للبحر ....[30] » وقال عنه في فترح الهجوم الإنجليزي يوم كان بعض الانكشاريين يتربصون به وكان الجو جدّ متوتر وخطر «...كان الداي عمر يعرف الأخطار التي تترقبه , ومع ذلك فقد قصد إلى ثكنات الجيش ليخطب أمام الجنود لرفع روحهم المعنوية , قائلا أنّ المصائب التي حلّت بالبلد كبيرة , ولكن ما حدث ليس مما لا يمكن إصلاحه وأنّ البلد لا يزال يملك موارد كثيرة وأنهم إذا تذرعوا بالصبر والشجاعة فإنّ قوة الجزائر قد تصبح مبعثا للرعب أكثر من ذي قبل , ولكن الشقاق والعنف سيجعل البلد يخسر كلّ شيء , ويختتم قائلا إنّهم إذا كانوا يجدون في شخصه عقبة في طريق الحظ والسعادة فما عليهم إلاّ أن يتخذوا منه كبش فداء ....[31]»
‌و.    حوادث خاصة في فترة حكمه :
ü   اتّهِم الداي عمر بأنّه المتسبب الأوّل في هزيمة 1816م أمام اللورد إكسموث قائد الأسطول المشترك البريطاني الهولندي لأنّه تأخّر في قصف السفن حتى تمركزت بمواضع لم يعد للمدفعية الجزائرية عليها سبيل يقول القنصل:[32] «...وفي غضون معركة 27 أغسطس , كانت تصرفات عمر باشا تصرفات رجل شجاع وعاقل. والغلطة الوحيدة التي ارتكبها هي أنه لم يأمر بإطلاق نيران مدفعيتة قبل أن تتخذ قطع أسطول العدو المهاجم المواقع الملائمة لها للقصف ولكن هذه الغلطة كانت نتيجة لقرار تنقصه الحصافة بأن لا يكون البادئ بإطلاق النار. وكذلك ارتكب غلطة لا تغتفر , برفضه الردّ على رسول المهاجمين...» والحقيقة التي سجّلها التاريخ أنّ اللورد إكسموث إنّما تمكّن من التموقع الجيّد بعيدا عن المدفعية الجزائرية القوية بخطة خبيثة ماكرة فقد علّق الأعلام الدبلوماسية موهماّ الداي بأنّه إنّما جاء ليتفاوض ثمّ ما لبثّ أن بدأ قصف مدينة الجزائر وتحصيناتها بمجرد ما استولى على تلك المواقع الإستراتيجية ... سبب آخر يكمن وراء هزيمة 1816هو خيانة[33] وتواطؤ رئيس البحرية (تشو) المشهور باسم الجلاد وقد طالب الجماهير بقتله وإعدامه ولكن الداي عمر باشا اكتفى بسجنه ثمّ هجّره مع عائلته إلى لبنان...
ü   سجنه للقنصل البريطاني خلال قصف اللورد إكسموث ولكن القنصل شالر اعتبر ذلك الإجراء إنّما أراد  به حمايته من الجيش الانكشاري ومن غضب الأهالي قال القنصل شالر متحدثا عن هذه الحادثة  : «....وإنّما أمر الداي بوضع السلاسل والقيود في يدي القنصل الانجليزي بعد انتهاء المعركة وبعدما خرجت الجماهير الغفيرة تبحث عنه للفتك به . فعند ذلك فقط اعتقل القنصل ونقل إلى السجن . وليس من شكٍّ في أنّ هذا الإجراء هو الذي أنقذه من موت محقق . وأنا كنت دائما أعتقد واثقا أنّ الداي إنّما اتخذ هذا الإجراء على أمل أن يتمكن من إنقاذ حياة القنصل البريطاني ...[34] »
‌ز.     لماذا  وكيف قُتل الداي عمر ؟  قبل الحديث عن مقتل الداي عمر أشار القنصل إلى حادثة محاولة اغتياله سن ة 1815م وكيف تعامل معها بحكمة بالغة وتسامح كبير يقول الكاتب: «...ففي سنة 1815م دبرت مؤامرة كان على رأسها عبد الله وزير البحرية وهذا الرجل كان من قطاع الطريق في منطقة تقع في جوار أزمير , ولما وصل إلى الجزائر لم يلبث أن ترقى وأصبح حاجبا ثم صديقا مسموع الرأي , ثم وزيرا للداي الغاشم الحاج علي الذي انتهى به الأمر أن اغتاله بيديه ومكافأة له على هذه الجريمة رقاه عمر باشا عقب اعتلائه العرش إلى منصب وزير البحرية وعبد الله هذا لم يكن يتمتع بأية فضيلة وقد كان يجمع إلى جانب البخل والقسوة وحبّ الانتقام وجهل وحشي , طموحا لا حدّ له . إنّه لمن حسن الحظ أنّ المؤامرة التي دبرت لاغتيال الباشا ووضع السلطة في يد هذا الخبيث قد اكتشفت في الوقت الملائم , وأنّ وزير البحرية قد اعتقل في 12 ديسمبر . وبدلا من أن يقتل كما جرت العادة هنا في مثل هذه الحالة , عفا عنه الداي عمر ووضعه في سفينة لتنقله هو وعائلته وثروته إلى الشرق , وذلك على حساب الحكومة , وقد ترك الوزير لأخيه ضياعه وأراضيه ليتمتع بها (وهي أملاك واسعة) »
يقول القنصل متحدثا عن سبب مقتل الداي عمر[35] : «... كان رعايا الداي عمر من الجهال الذين يتعلقون بالخرافات ويتهمونه منذ وقت بعيد بأن الحظ غير مسعف له , والوباء الذي اجتاح البلاد ولا سيما مدينة الجزائر في صيف 1817 أكد هذا الاتهام بسوء حظ الباشا . وكذلك استغل علي خوجة الذي كان حصيفا ويعتبر من علماء الدين هذه الظروف , ونجح في تدبير مؤامرة بين الانكشارية لخلعه . وسواء أكانت المؤامرة محكمة التدبير أم أن الداي قد غفل ولم يتخذ الاحتياطات المعتادة فإنّ المتآمرين فاجؤوه في فراشه يوم 8 سبتمبر وأعلنوا إليه أنّ أجله قد حان وبعد مساوات غير مجدية للحصول على تنازله على العرش قتلوه خنقا في عين المكان...»


[1]  الترجمة العربية الصفحة : 41 , 42 43 44 58 59 127 161... 174 176 181 ...
[2]  المرجع نفسه ص42 42
[3]  لفظة (الفتح) من زيادات المترجم ولعله أراد بها التعقيب على الكاتب أو حماية القارئ المسلم من هذه التهمة تهمة الغزو بغير حقّ التي تعادل النهب والسلب ...والنصّ الأصلي جاء بهذا المعنى المشين :  founding their institutions upon the right of conquest ص15 وفي الترجمة الفرنسية ص26 بنفس المعنى : prenant le droit de conquête pour principe de leurs institutions 
[4]  المرجع السابق ص44
[5] المرجع نفسه والصفحة ذاتها
[6]   المرجع نفسه ص45
[7]  المرجع السابق ص 42 43
[8]  المرجع نفسه ص 43
[9]  المرجع السابق ص57 58
[10]   كانت خلال ثلاثة قرون تبثّ الرعب في الممالك المسيحية وسوطا في جنب العالم المتحضّر ص 41 فدستورهم قائم على مبدأ الغزو ص41
[11]  يقول في الصفحة 41 عن خير الدين بربروس لما طلب حاميةً من الخلافة للدفاع عن السواحل الجزائرية من الحملات الصليبية الإسبانية  ما نصّه : "...ولم يكد يتسلم زمام السلطة حتى وضع المملكة الجديدة تحت حماية سلطان تركيا الذي أمدّه بحامية كافية لاحباط كلّ محاولة من الأهالي لاستعادة حريتهم ."
[12]  حكم الولايات المتحدة حوالي أربعين رئيسا قُتل منهم أربعة
[13]  المرجع السابق 34
[14]  نسبة إلى مدينة بالقرب من دلس وهو المعروف الآن بنهر سيباو
[15]  في الأصل العربي وردت بلفظ (درجة طول شمالي) وهو خطأ تابع فيه المترجم الفرنسي  باستعماله اصطلاح longitude nord …longitude est  بينما في أصل الكتاب باللغة الإنجليزية استعمل الكاتب اصطلاح latitude …longitude   إشارة إلى خطوط الطول والعرض
[16]  المرجع السابق ص 45 ـ 46
[17]  سيأتي بيان نظرته هذه بتفصيل في مبحث خاص
[18]   الدايات الذين خصّهم الكاتب بالوصف وبيان سياستهم وبعض ما يخصّ عهدهم هم : الداي أحمد باشا (ص162) الداي الحاج أحمد (162) الداي محمد الخزناجي (163) الداي عمر (...) الداي علي خوجة (174) الداي حسين (176) هذا إضافة إلى حديثه عن الأخوين بربروس خير الدين وعروج ...
[19]  المرجع السابق ص160
[20]  المرجع السابق ص 160
[21]  المرجع السابق 161
[22]   المرجع نفسه 173 ـ 174
[23]  المرجع نفسه ص 162 ـ 163
[24]  هذا الخزناجي هو الداي محمد حكم الجزائر مدّة شهر واحد ما بين 3\1815 و 11 \4\1815  ولم تذكر المصادر الجزائرية أنّه مات مقتولا والله أعلم
[25]  المرجع السابق ص 161
[26]  المرجع السابق ص 161
[27]  المرجع نفسه ص 160 ـ 161
[28]  المرجع السابق ص162 ـ 163
[29]  المرجع نفسه ص 172
[30]   المرجع السابق ص 166
[31]  المرجع نفسه ص 167 ـ 168
[32]  المرجع نفسه ص 166
[33]  المرجع السابق ص 173
[34]  المرجع السابق : ص166
[35]  المرجع السابق ص 172 

هناك تعليق واحد:

  1. Casinos Near Casinos Near Casinos Near Casinos Near Casinos, California
    › search 강릉 출장샵 › casinos › search › 시흥 출장마사지 casinos Near Casinos 춘천 출장샵 Near Casinos, California · Casinos Near San Diego · Golden Nugget · Bellagio · Golden Nugget 전라북도 출장샵 · Golden Nugget. หาเงินออนไลน์ The city is home to the largest casino in

    ردحذف