1) الجيش الجزائري الانكشاري :
يقول في وصفه[1] : « وجيش الحكومة التركية في الجزائر يتكوّن من خمسة عشر ألف جندي وضابط , من الأتراك والكلوغيين والعرب , والعنصر الأوّل والثاني , يشكلان المشاة بينما يشكل العرب الخيالة . وهذا ا لجيش موزّع على الحاميات أو في معسكرات متنقلة في عاصمة المملكة وفي مختلف أطرافها , والجيش يستعمل لحفظ ولجمع الضرائب للحكومة . ومعظم هذا الجيش يتكوّن من المجندين الأتراك والكلوغيين الذين يقومون بالخدمة العسكرية بالتناوب , لا يوجد فيه ما يمكن وصفه بالنظام والطاعة العسكرية , وعلى الجملة , يمكن وصفه بأنّه تنقصه الفاعلية كلّية. والانكشاريون يلازمون الثكنات التي يوضعون فيها عقب وصولهم , وهناك يرتقون إلى مختلف الرتب العسكرية بالأقدمية ويتولون قيادة الوحدات أو الكتائب , وهذا الترتيب هو مظهر النظام الوحيد الذي اكتشفته في هذا الجيش »
هذا هو الجيش الجزائر ي الانكشاري تعداده وتنظيمه كما يراه الكاتب ثمّ ينتقل بعد ذلك إلى تحليلاته المغرضة وأحكامه الجائرة فيقول في وصف أفراده [2]: «و الجيش التركي في الجزائر يشتمل على أجانب ينتمون إلى مختلف الأجناس ويأتون إلى هنا للانخراط في الانكشارية . وهذه (المليشيا) هي التي تقوم بنفسها باختيار ضباطها . وأعضاؤها يجندون في الشرق , وينتمون إلى أحطّ طبقات السكان . ولدى وصولهم إلى الجزائر ينخرط هؤلاء المجندين في سلك الجيش , وأما الترقيات بينهم فهي تعود إلى الكفاءة , أو إلى مجرد الصدفة , وحياة مغامر مغمور لا تثير اهتمام أحد في العادة , ولكنه عندما يرتفع فوق الجهال والمغمورين بفضل عبقريته , وتحيط به هالة من المجد على مسرح الأحداث , عند ذلك يصبح أهلاً للاهتمام وللعناية بكلّ ما يتصل به وتسلط الأضواء على شخصيته وأعماله... »
ويقول أيضا عن عملية التجنيد في الجيش الانكشاري ما نصّه[3] :«والجيش التركي في الجزائر يحتفظ بكيانه بتجنيد الجنود في الشرق . ومعظم الذين يقبلون الانخراط في سلك الانكشارية من الأشرار الذين يخرجون من السجون وينتمون إلى أحطّ الطبقات الاجتماعية في تلك البلاد . وحكومة الجزائر تحتفظ بوكلاء لها في القسطنطينية وفي أزمير , مهمتهم جمع الجنود وتجنيدهم واستئجار السفن لنقلهم إلى الجزائر, ولدى وصولهم إلى البلد يصبحون بحكم الأمر الواقع جنودا في الجيش ويحمل كلّ واحد منهم لقب (انكشاري) ويوزعون على مختلف ثكنات المدينة حيث يفترض أن يبقوا مدى الحياة , وذلك بغض النظر عن الحظوظ التي يخبؤها الغد لكلّ واحد منهم . وفي هذه الثكنات يترقون (إذا لم يسعفهم الحظ السعيد لشغل مناصب إدارية) وتزداد مرتباتهم على أساس الأقدمية حتى يصلوا إلى أعلى الدرجات العسكرية و ويصبحوا أعضاء في الديوان . وهناك , لا بدّ وأن يكون العضو بليدا حقا , إذا لم يحصل على منصب يدر عليه المال الوفير . والمرتب الذي يتقاضاه الانكشاري , عقب انخراطه في سلك الجندية ضئيل ولا يكاد يتجاوز نصف دولار في الشهر . ولكن هذا المبلغ يزداد بالأقدمية تدريجيا حتى يصل إلى ثمانية دولارات في الشهر , وهو الحدّ الأعلى لمرتبات الانكشارية . على أنه أصبح من المعتاد في الأعوام الأخيرة أن يزيد الداي مرتبات الانكشارية لكي يزيد من شعبيتهم . والجيش الذي يتكون على هذا المنوال , يكون ـ بالطبع ـ عرضة لزعازع الثورة . وجراية الانكشاري هي حوالي رطلين من الخبز العادي يوميا . والعزاب منهم يسكنون في غرف فسيحة ملائمة . والحكومة تقوم بتزويدهم في مرحلة تالية لوصولهم بالكسوة والسلاح والذخيرة بأسعار زهيدة . والانكشاري الذي يتسلح ويكون مستعدا لخوض معركة يحمل مسدسا أو مسدسين كبيرين في حزامه و (يتجانا) وخنجرا على صدره , وبندقية طويلة على كتفه . وجميع هذه الأسلحة كزينة بالزخارف الشرقية الرفيعة بقدر ما تسمح به ظروفه الخاصة وثروته . وإذا أضفنا بذلته العسكرية إلى كلّ ما تقدم , يمكننا بحقّ أن نقارن الانكشاري بالصبيّ في ورق اللعب . »
وممّا قاله أيضا [4]: « ...وإذا كان الأتراك يراعون حسن السلوك ويحترمون تعاليم الدين التزاما بمبدأ سياسي حسن , فإنّ التجربة أثبتت أنّ هذا لا يمنعهم من التحلل أحيانا والميل إلى المجون الذي يميز الجنود في كلّ مكان . وتبعا لذلك , فإنّ الحكومة تسمح بفتح المواخر التي يديرها اليهود لتسلية الشبان الأتراك , وهناك يسمح لهم بتناول الخمور والكحول بدون قيد , بشرط ألا تقع فضائح مشينة أمام الجماهير . وكلّ تجاوز عن هذا الشرط و يعرض صاحبه لأقسى العقوبات . والواقع أنّ الحياة المفروضة على الانكشاري حياة مملة وتبعث على الضيق , ومن ثمّ , فإنّ كثيرا ممن لا يرتبطون بعلاقات الزواج في البلد , وليس لديهم وظائف تدر عليهم المال يهربون من هذه الحياة متى استطاعوا ذلك »
فالجيش الجزائري في حسّ القنصل : جيش مرتزقة , أصحاب سوابق عدلية , مرتادون للسجون , من أحطّ طبقات الناس ,خمارون ماجنون مستهترون , ووصل به حدّ الاستهتار والاستهزاء أن وصف الجندي الانكشاري في كامل عتاده العسكري وحلّته الرسمية بصبي أوراق اللعب [5] والجيش ككلّ غير منظم عديم الفاعلية ...ونتيجة ذلك كلّه حكمه الذي أورده في مقدمته وأعاده في غير ما موضع من كتابه (أنّ الجيش الجزائري أصبح ضعيفا غير قادر على حماية قواعده فضلا عن الهجوم على غيره ...)
تعقيب : لن نتوقف كثيرا عند هذه الأحكام الجزافية والتي انطلق صاحبها في إصدارها من منطلقات عقائدية وفكرية فلا يمكن لعدوّ الشيء أن يشكره أو يمدحه لا بدّ وأن يبحث عن نقائصه وعن كلّ ما من شأنه أن يشينه ويقدح فيه ... ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح شديد هو : كيف استطاع جيش مهترئ البنيان ضعيف الأركان كما وصفه القنصل أن يحمي دولة كبيرة مثل الجزائر مدّة تزيد على ثلاثة قرون كاملة وكيف استطاع جيش بهذا الوصف المتناهي في السلبية والنقائص أن يفرض الرعب ـ بحسب اصطلاح الكاتب نفسه ـ على العالم المتحضر خلال هذه الحقبة من الزمن ...
والحقيقة أنّ الجيش الجزائري جيش قويّ متين التنظيم قام أحسن قيام بالدفاع عن الشواطئ الجزائرية من الغزو الصليبي المستمر ...ومع ذلك فهو كسائر الجيوش لا يخلو من نقائص تفرضها الحياة العسكرية القاسية وزادت من حدّتها ضعف النظام العثماني في أواخر عهده وعدم مسايرته للتطور العالمي ...
2) الأسطول الجزائري :
يقول عن تعداد السفن وأنواعها[6] : «... والبحرية الجزائرية كانت في الماضي تتكون من عدد من السفن ذات المجاديف والسفن الثلاثية الصواري , ولكنه في العصور الأخيرة أعيد تشكيلها عقب التحسينات التي أدخلها الأروبيون على بناء السفن وعلى فن الحرب في البحر و وذلك بعناية بعض الدول الأروبية التي كانت تحتفظ بعدد من بناة السفن والمهندسين.
وقبل معاهدة الصلح (الجزائرية الأمريكية ) التي عقدت في يونيو 1815م , كانت تملك أربعة بوارج تتراوح قوتها بين 44 و 50 مدفعا وأخرى قوتها 38 مدفعا , وسلوب (مركب ذو سارية واحدة) حربي مزود بثلاثين مدفعا وواحد آخر مسلح بعشرين مدفعا وسفينة ذات صاريتين مسلحة بعشرين مدفعا وسفينة ذات مجاديف مسلحة بخمسة مدافع وذلك بالإضافة إلى ثلاثين زورقا حربيا. ولكن هذه السفن حطّمتها الأساطيل البريطانية الهولندية أثناء المعركة البحرية التي جرت في أغسطس سنة 1816م . على أنّ الجزائريين تمكنوا من إعادة تكوين أسطولهم بشراء بعض السفن أو ببناء سفن أو بالسفن الحربية التي قدّمها غليهم الباب العالي وسلطان المغرب الأقصى وباشا طرابلس , وبذلك أصبح الأسطول الجزائري قويا وفعالا بحيث يستطيع القيام بكلّ مهمة يكلّف بها...» وعن دار صناعة السفن يقول[7] : «ودار صناعة السفن في الجزائر تتلقى كميات مهمة من الخشب وجميع المواد الضرورية لبناء السفن وتجهيزها وتسليحها . وأحواض السفن الجزائرية كاملة التجهيز لاصلاح السفن الحربية بجميع أنواعها وأحجامها , من البارجة فنازلا» وعن عدد بحارة الأسطول الجزائري يقول1 : «والحكومة الجزائرية تستخدم في أسطولها بصفة دائمة نحو ثلاثة آلاف بحار , ولكنه في إمكانها , عند الضرورة , رفع هذا العدد إلى ستة آلاف رجل...»
ويقول أيضا[8] : «...إنّ مقدرة الجزائريين على تجهيز الأساطيل وتسليحها للقتال لا تفوقها مقدرة أيّ شعب آخر في العالم , والبارجة الجزائرية الكبيرة تنقل على متنها 500 بحارا وضابطا , مائة منهم من الأتراك الذين تتكون منهم هيئة الضباط , وهذه النسبة على وجه التقريب و يحتفظ بها في تجهيز السفن الحربية التي هي أصغر من البارجة .»
وعن ميزانية وحسابات الخرج (الذي هو الأسطول الجزائري ) ينقل الأرقام التالية[9] :
| النفقات السنوية على العمال والفنيين وعمال الميناء | 24000 دولار إسباني |
| النفقات السنوية لشراء الخشب والحبال ولوازم البحرية | 60000 دولار إسباني |
| النفقات السنوية لمرتبات الضباط والبحارة | 75000 دولار إسباني |
| النفقات السنوية لمرتبات العسكريين من جميع الطبقات | 700000 دولار إسباني |
| المجموع | 895000 دولار إسباني |
وهذه قائمة مفصّلة للسفن الجزائرية المكوّنة للأسطول في سنة 1825م[10]
| نوعية السفينة | اسم السفينة | مدفعية السفينة |
| بارجة | مفتاح الجياحه | 62 مدفعا |
| ابن الحواس | 50 مدفعا | |
| نفر اسكندر | 36 مدفعا | |
| حراقة (طراد) | مظهر اسطفسي | 36 مدفعا |
| فاسية | 46 مدفعا | |
| سفينة ذات ثلاث صواري | نعمة خودة | 18 مدفعا |
| موجراس | 16 مدفعا | |
| سكونة(ذات صاريتين) | فضل الإسلام | 24 مدفعا |
| جيارن | 14 مدفعا | |
| طونعردة | 14 مدفعا | |
| ثورية | بدون مدافع | |
| سياد داريا | بدون مدافع | |
| بولاكر (مربعة الأشرعة) | زاغزا | 20 مدفعا |
| اكسيبكس (ثلاثية الصواري) | ميورقة | 10 مدافع |
| 30 زورقا حربيا | ||
| ثلاث سكونات في دار صناعة السفن في طور الإنشاء ستنزل البحر في أوّل الصيف ... | ||
بعد هذا الوصف الإيجابي الذي لا يمكن لمخلوق عاقل عاش تلك الفترة أن يجهل أصله وعمومياته فضلا على أن يقدح فيه ينتقل القنصل إلى أحكامه غير الموضوعية فيقول[11] : «...والسفن الجزائرية التي تعتبر سفنا حربية لا تستحق أي اهتمام , وبحارتها يجهلون طرق المناورة في المعارك البحرية و وأما روح الجرأة الخارقة التي تعزى غليهم , فهي إنّما خلقتها مؤامرات الدول الأوروبية وجشعها ... » ويقول أيضا1: «...تلك هي حالة الأسطول الجزائري الذي يتمتع بشهرة عظيمة تردد صداها أغاني الشعراء , ويرتعد من ذكره الأطفال والعجائز , والذي تسبب في إهانة كثير من الدول . والقارئ قد يندهش كيف سمح لدولة ذات قوة لا قيمة لها أن تعرقل التجارة وتفرض ضرائب لا تقبل المناقشة , مدّة طويلة , وهو قد يتعجب كيف أنّ الدول البحرية الأروبية قد ذهبت إلى أطراف العالم وتكبّدت تضحيات كبيرة في المال والرجال لتكوّن هناك مستعمرات , في الوقت الذي تستحوذ فيه حفنة من القراصنة المغامرين على أجمل بقعة في العالم وتفرض عليهم شروطا هي أقرب إلى التبعية التي يفرضها ملك قويّ على أمير صغير.»
تعقيب : من ذا الذي يستطيع أن يصدر مثل هذه الأحكام الجائرة والمغلوطة ؟ أسطول شغل الدنيا بإنجازاته وبهر العالم بأعماله وحكم المحيطات والبحار وسيطر على الملاحة العسكرية والتجارة البحرية ثلاثة قرون كاملة ...أيكون بعد ذلك كلّه ذا قوّة لا قيمة لها وسفنه لا تستحق الاهتمام وبحارته جهلة بفنون القتال والمناورة البحرية ... لا يقول مثل هذا الكلام الظاهر السقوط إلاّ مَن أعمت الروح الصليبية عيناه وأفقد الطمع الاستعماري عقله ... ولعل في وصفه لهذا الأسطول ولبحارته وسفنه قبل أن يصدر أحكامه ما يغني عن الردّ عليه ...
وعن ميناء الأسطول وتحصيناته يقول القنصل[12] «وجميع منافذ مدينة الجزائر تحميها تحصينات منيعة مسلحة بالمدافع الثقيلة التي تجعل كلّ محاولة مباشرة للسفن الحربية للهجوم على المدينة محاولة ميئوسا منها , متى كان المدافعون يتمتعون ببراعة عادية وبعزيمة معقولة. » كما وصف[13] الحصون الجزائرية وبناياتها بأنّها أسوار حجرية غير قابلة للتدمير وأنّ التسديد بإحكام من مدافعهم المخيفة والمتكونة من ثلاثة صفوف كافية بإلحاق الهزيمة والإهانة بأقوى وأعتى الأساطيل الأوروبية ... ولكنّه في مقابل ذلك ذكر بحكم التجربة التي شاهدها وعاصرها من خلال هجوم الأسطول المشترك الإنجليزي الهولندي بقيادة اللورد إكسموث أنّ هذه المدفعية القوية والخطيرة لن يكون لها أيّة أهمية وأيّة فاعلية لو تقدمت السفن في الميناء وخرجت عن مجال رميها ... ولهذا السبب عمد الداي عمر ومن جاء بعده من الدايات (علي خوجة والداي حسين) إلى استراك هذا النقص بوضع صفّ من المدافع في جزيرة البحرية الأميرالية اليوم لتصدّي للسفن التي خرجت عن مجال رمي المدفعية الرئيسية .... ولشدّة تحصينات الميناء وقوة مدفعيته نصح الكاتب جميع من يريد غزو الجزائر أن يتجنّب ضربها من عرض البحر كما جرت عادة جميع من هاجمها من قبل بل لا بدّ من الهجوم البري ...بعيدا عن مينائها الحصين...
شواطئ الجزائر وموانئها : يقول واصفا لها[14] : «والشواطئ الجزائرية ذات منحدرات في كلّ مكان ولكنها لا تمثل أخطارا غير متوقعة . وخليج بجاية وخليج ستورا[15] يضمنان المينائين الوحيدين اللذين تتوفر فيهما الحماية والخليجان واسعان تحيط بهما جبال تقي السفن من الرياح في جميع الفصول , وهذه المعلومات زودني بها ربان كبير لسفينة إنجليزية اضطرّ به [سوء] الأحوال الجوية إلى الالتجاء إلى المينائين المذكورين أثناء رحلة قام بها في فصل الشتاء من الجزائر إلى بجاية ومن عنابة إلى الجزائر. على أنّ الشواطئ الجزائرية غير معروفة بوضوح . ولو درست هذه الشواطئ بعناية لكان من المحتمل اكتشاف موانئ أخرى فيها , والجزائر ووهران وعنابة في وقتنا هذا هي الموانئ الوحيدة التي تتردد عليها السفن الأجنبية , لأنّها تجد فيها موانئ مأمونة في جميع فصول السنة عادة , ولو أنّ السفن التي ترسوا في هذه الموانئ تتعرض في الشتاء للرياح الشمالية التي تهبّ بشدّة وعنف...» يبدو أنّ معلومات الكاتب في هذا المجال قليلة ولعلّ السبب الرئيسي في ذلك كلّه هو عدم مغادرته للجزائر العاصمة وزيارته للمناطق الداخلية وإلاّ فإنّ موانئ الجزائر القديمة كثيرة وشهيرة ولعل من أقربها للجزائر ميناء دلس ومن أقدمها وأشهرها في أوروبا عموما وإسبانيا على وجه الخصوص ميناء هنين بتلمسان وميناء المرسى الكبير بوهران و ميناء مستغانم ...وغيرها كثير...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق