الأحد، 12 ديسمبر 2010

قراءة في كتاب وليام شالر(4) أهمية الكتاب ودوره في الحملة الفرنسية على الجزائر


1)   أهمية كتاب وليام شالر :
‌أ.       في فترة إصداره :
  أما في الفترة التي صدر فيها الكتاب فإنّه اكتسى أهميته من مناحي عدّة وجهات شتّى أهمّها:
ü   موضوع الجزائر في بداية القرن التاسع عشر كان بمثابة موضوع الساعة ... وعيون العالم كلّها كانت موجّهة إليها سواء من حيث الخوف والرهبة من أسطولها العظيم أومن حيث المكر والكيد والتربّص بها ...
ü   الجزائر على شهرتها العالمية آنذاك كانت مجهولة المعالم فجاء كتاب شالر ليملأ هذا الفراغ ويستجيب لمطلب التعريف بها ... وفي الفترة التي سبقت احتلال الجزائر 1830م صدرت العشرات من الكتب التي تتناولها بالبحث حتّى أنّ بعضها أعيد طباعته ثلاث مرات في ظرف شهر واحد ولكن جلّها عبارة عن كتب تجارية تسعى وراء الربح والكسب لا غير فهي لا تتجاوز أن تكون  إعادة لما هو معروف وتكرار لما هو متناول ومشهور ...[1]
ü   شهرة الكاتب الفكرية والسياسية وخبرته الدبلوماسية والعسكرية أصبغت على الكتاب شيئا من التوثيق والاعتماد والتزكية
ü   وصفه الدقيق للجيش وللأسطول الجزائري  جعل من الكتاب وثيقة مهمة وخطيرة تخدم رغبة العالم الغربي الصليبي في  التعرّف على وحدات هذا الأسطول وعلى قوته الحقيقية ومواطن ضعفه من أجل القضاء عليه ...
ü   وصفه لحكومة الجزائر وهيئاتها وأعرافها الدبلوماسية جعل من الكتاب وسيلة ناجحة في حسن تعامل القناصل والدول الغربية عموما مع إيالة الجزائر ...
ü   الوصف الطبوغرافي لمدينة الجزائر وحديثُه عن تحصيناتها وعن نقاط ضعفها وقوّتها وعن ضواحيها كان ذا أهمية عظيمة بالنسبة لجميع الدّول المتربّصة بالجزائر وعلى رأسها فرنسا
ü   التفصيلات الدقيقة والمعلومات الكثيرة عن اللهجات الجزائرية كان ذا أهمية بليغة لكلّ المتعاملين مع الجزائريين وللدارسين للغاتهم ولهجاتهم يشترك في ذلك الأصدقاء والأعداء
‌ب.  أهميته العلمية غير المتعلقة بفترة محدّدة
ü   أهميته في الدراسات التاريخية :يعتبر الكتاب مصدر من المصادر التي تحدّثت عن مرحلة نهاية الحكم العثماني بالجزائر في الفترة الممتدة بين 1816م و1824م  بكلّ تفصيلاتها وتعقيداتها
ü   أهميته في الدراسات الاجتماعية : توسّعه في الحديث عن المجتمع الجزائري بكلّ شرائحه وإبدائه لآراء وأحكام جريئة بهذا الخصوص يستفيد منها عالم الاجتماع أيّما إفادة...
ü   أهمّيته في الدراسات اللغوية واللسانية فقد أورد الكاتب قاموسا مصغّرا  للهجات الجزائرية القبائلية العربية الميزابية الشاوية وحاول عقد مقارنة بينها
2)   استعانة الحملة الفرنسية بكتاب شالر :
لقد أصبحت مسألة استعانة الحملة الفرنسية بكتاب شالر واعتمادها عليه في غاية التقرير والتحقيق ولبيان ذلك والتأكدّ منه نعرض النقاط التالية :
‌أ.       الذي تولى ترجمة الكتاب هو المترجم الخاص بالملك ولا يستبعد أن يكون فعل ذلك بأمرٍ منه بل هذا هو الراجح لأنّه إنما يعمل ويترجم تحت إمرته
‌ب. مترجم الكتاب شارك في الحملة الفرنسية ولا يزال الغموض يكتنف مهمته فيها هل شارك كمستشار ككاتب كمترجم كمساعد ...لكن المؤكد أنّه شارك وبفعالية كبيرة استحقّ على إثرها وسام الشرف الملكي ومن مظاهر هذه المشاركة كتابه عن حادثة السفينة لابروفانس la Provence    
‌ج.  تصريح المترجم في زياداته على أصل الكتاب سواء في المقدمة أو التعليقات بهذه الاستفادة والاستعانة حيث يقول في المقدمة : "إنّ ما ذكره الكاتب عن موقع الجزائر ومساحاتها وتحصيناتها وضواحيها بدقّة متناهية سيكون بدون شكّ في غاية الفائدة في إدارة العمليات العسكرية على الجزائر..."[2] ويقول كذلك في ختام مقدمته : "أياما قلائل وسيثبت نجاح  حملة الملك التي كلّف بها ضباطنا الأكفّاء وجنودنا البواسل الشجعان صدق تنبآت القنصل الأمريكي ..." في تعليقه على معجم كلمات اللهجات المحلية ذكر أنّه سارع إلى ترجمة هذا الكتاب ليخرج في الوقت المناسب بتلبية حاجيات القراء عموما وأفراد الحملة الفرنسية على وجه الخصوص[3]
‌د.     اعتماد  الحملة الفرنسية خطّة القنصل الأمريكي بحذافيرها بدايةً من وقت النزول ومكانه وطريقته وكلّ ما جاء في كتابه ...
ما ينبغي تسجيله في هذا المقام أنّ فرنسا استعانت بجواسيس عدّة وفي حقب تاريخية مختلفة من أجل احتلال الجزائر لعل من أشهرهم الضابط بوتان[4] ولكن ما قدّمه القنصل الأمريكي للحملة الفرنسية أكبر وأهمّ بكثير ممّا قدمه هذا الجاسوس لأسباب عدّة أهمّها ما يلي:
ü   قِدَمُ معلومات بوتان جمعها سنة 1808 بأمرٍ من نابليون بونابرت حيث وصل إلى مدينة الجزائر يوم 24 ماي 1808م و توفي سنة 1815م أي قبل الاحتلال بخمس سنوات ومعلوماته مرّ عليها ما يقارب 22سنة وهي مدّة زمنية مهمّة يمكن أن تتغير فيها معالم المدينة كلّها فضلا عن تحصيناتها العسكرية ...بينما معلومات القنصل شالر جديدة ومتأخرة عن معلومات بوتان حيث تعود إلى 1824م
ü   معلومات بوتان على دقّتها لا ترقى إلى سعة ودقّة معلومات القنصل شالر فكلّ ما ذكره بوتان بعد أن نزل مدينة الجزائر يوم 24 ماي 1808م وزار المدينة وطاف بضواحيها شرقا وغربا واطّلع على تحصيناتها وقوّة حاميتها أنّه ينبغي أن لا يزيد جيش الحملة على 40ألف جندي وأن تتمّ بين 10ماي و10جوان وأن لا تستغرق أكثر من شهر وبيّن ضعف الجهة الغربية للعاصمة بالمقارنة مع جهتها الشرقية الشيء الذي كان ظاهرا للعيان ...بينما معلومات شالر وأدقّ وأوسع وأعمق والحملة الفرنسية سنة 1830م جاءت مقاربة لمعلومات بوتان ولكنّها مطابقة لمعلومات شالر ...
ü   معلومات بوتان لم تكتب في عين المكان بل هي ما حفظه هذا الضابط من مذكراته وتدويناته التي أضاعها نتيجة خوفه من أن تقع بين يدي الإنجليز في حملة تفتيش تعرّضت لها السفينة التي كانت تقلّه إلى فرنسا قادمة من الجزائر حتى أنّ بعض المصادر تذكر أنّه اضطرّ إلى أكلها ...بينما معلومات القنصل شالر أوثق فهو كتبها في عين المكان وحافظ عليها من يوم الكتابة والتدوين إلى وقت الطباعة والنشر...
ü   إنّ كتابة ضابط ومهندس عسكري مهما علت مرتبته واتّسعت تجربته كبوتان لن ترتقي أبداً إلى كتابة رجل يجمع بين صفات وميزات وخصائص عدّة فهو قنصل دبلوماسي مشهور وهو رجل فكر وأكاديمي معروف وهو كاتب صحفي ومحقق متعدد المصادر وهو بحار رحالة طبوغرافي ذو تجربة واسعة ...فلا بدّ وأن تكتسي كتابة مثل هذا الرجل شيئا من التزكية والاعتماد والتوثيق وهذا ما صرّح به المترجم بيانشي في مقدمته ...
ü   القنصل شالر يصرّح في غير مبالاة بالأعراف الدبلوماسية بأنّه لا ينبغي الاقتصار على مهاجمة الإيالة من عرض البحر ثمّ العودة إلى القواعد كما فعلت الحملات السابقة كما لا ينبغي النزول للبرّ الجزائري  نزولاً مؤقّتاً ...بل ينبغي احتلال الجزائر وطرد الترك وجيشهم الانكشاري منها وإقامة دولة غربية مسيحية مكانتها وبدلها... وهذا ما لم يجرأ على التصريح به أحد بما في ذلك جواسيس فرنسا أنفسهم...


[1]  راجع مقدمة بيانشي على الترجمة الفرنسية للكتاب ص 1 , 2
[2]   ص4 من الترجمة الفرنسية للكتاب
[3]  هامش الصفحة 220 من المرجع السابق
[4]  لفرنسا جواسيسر كُثر منهم  كذلك تونير و فيما بعد ليون روش وغيرهم لكن أشهرهم وأكثرهم ذكرا في المصادر التاريخية هو بوتان 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق