أ. العلاقات الجزائرية الهولندية :
يقول عنها الكاتب : "وهولندا تستحق منّا فقرة خاصة لأنها أول دولة متمدنة تقوم بدفع الضريبة إلى الجزائر , وكذلك كانت سياسة هذا البلد تجاه الجزائر لا تقوم إلاّ على الحسابات التجارية الوضيعة ولا يدخل فيها أيّ اعتبار للكرامة أو للنفوذ ."[1] معنى هذا أنّ هولندا لم يكن لها أطماع في الجزائر ولم تكن ترغب أو تسعى للحصول على مكتسبات أو نفوذ فيها وإنّما غاية هدفها حماية تجارتها ولا يهمّها أن تدفع ضريبة للجزائر في مقابل حماية أسطولها التجاري وتأمينه...
ب.العلاقات الجزائرية مع دول الشمال (اسكندينافيا):
يقول الكاتب : " وأما سياسة الدول الشمالية تجاه الجزائر فقد كانت تنحصر في المحافظة على السلم بأفضل ما يمكن أن تحصل عليه من الشروط , وقد تأثر الجزائريون كثيرا بحسن نيات هذه الدول وبوفائهم بالتزاماتهم في نطاق المعاهدات التي عقدت معهم , وذلك على الرغم من أنّ الجزائريين يعاملونهم بالطريقة التي يرون أنها تخدم مصالحهم أكثر من غيرها (أو قل بالطريقة التي ترضي جشعهم) حيث أنه يحدث من جهتهم أن يتجاهلوا المعاهدات التي عقدوها معهم كلّية ."[2]
ج. العلاقات الجزائرية مع البرتغال :
كانت العلاقة البرتغالية الجزائرية قبل 1810م شبيهة بالعلاقة مع إسبانيا تحكمها الحرب ويصفها العداء ولكن ابتداء من هذه السنة الموافقة لحروب نابوليون توسّطت بريطانيا حليفتها لتعقد مع الجزائر معاهدة صلح تؤمّن لها نشاطها البحري ... وتدفع بموجبه أكثر من مليون دولار إضافة إلى ضريبة سنوية مقدارها 24000 دولار [3]
1. سردانيا سنة 1816م وقعت معاهدة صلح التزمت بموجبها دفع ضريبة في شكل هدية قنصلية تقدر بـ : 5000 جنيه استرليني وأن تفدي أسراها الموجودين في الجزائر بمبلغ 500 دولار لكل واحد ..وأن تسترجع الجزائر جميع أسراها بدون فدية...
2. نابلي : التزم ملكها في نفس السنة بدفع ضريبة مماثلة لضريبة البرتغال وأن يدفع مبلغ 1000 دولار فدية لكلّ واحد من أسراه إضافة للهدية القنصلية التي تدفع مرة كلّ سنتين
3. جبل طارق
4. مالطا
5. هانوفر
6. جنوة : هذه المملكات الثلاث كانت تعتبرها الجزائر تابعة لبريطانيا فعاملتها وفق المعاهدة التي أبرمتها معها
انعقد المؤتمر بين فترتي سبتمبر 1814م ويونيو 1815 في مدينة فيينا عاصمة النمسا تحت إشراف ورئاسة رجل الدولة النمساوي كليمنس فينتزل وقد شارك في هذا المؤتمر أكثر من 200 دولة وعائلة حاكمة ,
كان للمؤتمر عدّة أهداف أوّلها :
ـ تسوية العديد من القضايا الأوروبية والصراعات الداخلية الحدودية على وجه الخصوص الناشئة عن حروب الثورة الفرنسية والحروب النابولونية
ـ تفكيك الأمبراطورية الرومانية المقدّسة
ـ تحديد مناطق النفوذ البريطاني الفرنسي الروسي والنمساوي
ـ تحريم تجارة الرقيق
ـ حرية الملاحة البحرية
ولعل ما يهمّ الجزائر حينئذ من هذه الأهداف والبنود المناقشة هي البنود الثلاثة الأخيرة فقد حاولت كلّ من فرنسا وإسبانيا ادّعاء الحقّ الحصري في النفوذ التجاري والاقتصادي بدول شمال إفريقيا مستندة بقربها الجغرافي وقدم وعظم مصالحها هناك ...وعارضت بريطانيا هذا الطرح بناء على أنّها في تلك الفترة هي التي كانت تملك مصالح كثيرة ومتنوعة في شمال إفريقيا وفي الجزائر على وجه الخصوص ...
وقصد الدول الأوربية من تحريم الرقّ وحرية الملاحة البحرية هو محاولة ضرب الأسطول الجزائري والقضاء عليه ولكن الصراع الأوروبي الداخلي وخاصة بين فرنسا وبريطانيا حال دون ذلك ولعلّ من أهمّ أسباب فشل هذا التحالف على هذا المستوى هو السياسة الجزائرية العثمانية التي كانت منتهجة وهي سياسة: (فرّق وازدهر) وغاية ما وصلوا إليه في هذا المجال هو أوّلا : تحريم الرقّ الأسود دون غيره ثانيا : حرية الملاحة في العديد من الأنهار الأوروبية دون الإشارة من قريب أو بعيد لمطلق الرقّ وخاصة أسرى الأسطول الجزائري ..ولا لحرية الملاحة في المتوسط .
وممّا قاله الكاتب عن مؤتمر فيينا ممّا يتعلق بالجزائر ما يلي[6] : " وفي نهاية 1814م عقد مؤتمر في فيينا ضم جميع الدول المتحضرة في القارة الأوربية وهناك أرسيت قواعد واسعة ومتينة للعدالة والانصاف والاستقلال ورخاء جميع الأمم .
وفي نطاق هذا المؤتمر شكلت مجالس لمناقشة جميع المسائل المهمة لأوروبا وقد استمرت جلسات مؤتمر فيينا حتى السنة التالية حين قطعها حادث آخر خطير الشآن .
هل حقّق هذا المؤتمر العظيم الآمال الكثيرة التي علقت عليه ؟
ذلك سؤال لا يعنيني البحث عن جواب له في هذا الكتاب .
ولكنه نظرا لأنّ مؤتمر فيينا قد عالج مسائل ذات طابع عام مثل مسألة تحريم الرقّ والتجارة في العبيد الإفريقيين (وهي مسألة كانت تساند حلّها دول بحرية كبيرة لاعتبارات إنسانية ودينية ) فقد كان من الطبيعي أن ينتظر الناس من هذا المؤتمر أن يبحث إدّعاءات هؤلاء البربر المناقضة للسلوك الاجتماعي والذين كانوا حينئذ يحتجزون أكثر من ألفين من الأوروبيين في قيد العبودية هنا , ويتّخذ إجراء بتحريم القرصنة , التي هي لطخة مشينة للحضارة وإلغائها كلّيا.
كانت بريطانيا قد ألقت بكلّ ثقل نفوذها بحق في هذا المؤتمر وأيّدت فكرة إلغاء الرٌ الأسود , ولكن فرنسا وأسبانيا والبرتغال كانت تعارض قرار بهذا الشأن بدافع من مصالحها الخاصة , ولكن بريطانيا لم تعارض سوى معارضة مائعة فكرة إلغاء استقلال كلّ من إيطاليا وبولندا والبندقية وجنوة , بل وحتى تقسيم حليفتها دولة ساكسون القديمة لارضاء شهوة حلفائها وشرّهم , ولكن بريطانيا كانت تصغي بأذن صمّاء لكل اقتراح قدم أمام المؤتمر يستهدف تحريم قرصنة بلاد البربر , ولما سئل رئيس وزراء بريطانيا في البرلمان بعد ذلك بشأن هذه القضية ادّعى أنّ معاهدات بريطانيا مع بلدان المغرب هي التي تبرر هذا الموقف , ولكن المؤرخ الذي عالج مؤتمر فيينا لم يتردد في أن يصف موقف الوزير البريطاني فيه بأنه قد أوحت به الأنانية ويقوم على ضغط المصالح ."
و. 10. مؤتمر إكس لا شابيل :
عقد هذا المؤتمر في مدينة آخن أكس لاشبيل بألمانيا عام 1818م شاركت فيه كبرى الدول الأوروبية وهي بريطانيا فرنسا روسيا النمسا وبروسيا كان يهدف علنا إلى حفظ السلام المنبفق عن مؤتمر فيينا 1815م ولكنّ قراراته حفّت بسرّية كبيرة لتعلقها بمسألة الاستعمار وتقسيم مناطق النفوذ والعمل من أجل القضاء على الأسطول الجزائري , وفي هذا الشأن يقول الكاتب :" وفي أواخر نفس السنة [1818م] اجتمع ملوك الدول الأوربية الكبيرة في مدينة إيكس لاشابيل في مؤتمر جديد من أجل تجديد المصالح العامة للعالم المتحضر على أساس متين , فيما قيل , على أنّ نتائج المداولات التي جرت في هذا المؤتمر لم تنشر , ويبدو أنّ مصالح الجنس البشري قد بقيت بدون تحديد , كما كانت من قبل .
ومع ذلك , فإنّ أسطولا بريطانيا فرنسيا قد وصل إلى الجزائر في سبتمبر 1819م وأعلن قائداهما للداي أنّ مؤتمر إيكس لاشبيل قد قرّر أنه يجب على دول البربر أن تمتنع عن ممارسة القرصنة في المستقبل وإعلان الحرب على أيّة دولة مسيحية أوربية .
وبعد بضعة أيام من التفكير والتروي , رفض الداي هذا الإنذار محتجا بالحقوق التي تعترف بها للدزائر معاهدات دولية رسمية أقرّها العالم كلّه خلال قرونا متوالية .
والمسألة هي ما إذا كان مؤتمر إيكس لاشبيل جادا حقيقة في هذه المناسبة أم أنّه وقع ضحية للمغالطة والتضليل بالتقارير التي قدّمها الأطراف التي كلّفت بتنفيذ قراراته التي تتعلق بدول البربر ."[7] وقال في موضع آخر : "إنني أحب أن أعتقد أنّ الحزم الذي أبدته الدول الكبيرة في مؤتمر إيكس لاشبيل سيكون من نتائجه تنفيذ قرارات ذلك المؤتمر ضدّ الدول البربرية ."[8]
ز. . علاقة الجزائر بالعالم الإسلامي :
أما علاقة الجزائر بالعالم الإسلامي فقد كانت علاقة أخوة واحترام وعلاقة تعاون وتآزر تلزمها العقيدة المشتركة وتفرضها أخوة الإسلام . والكاتب لم يتعرض لهذه العلاقة كثيرا إلاّ في مواضع سبقت الإشارة إلى بعضها ونحاول ها هنا تسجيل بعض النقاط المتعلقة بهذه العلاقة مستعينين بما ورد في المذكرات ...
1. مع الأستانة عاصمة الخلافة الإسلامية (الباب العالي) : كانت الجزائر تابعة للأستانة تبعية اسمية في غالب الأحيان , وتبعية حقيقية أحيانا أخرى فروسيا والنمسا مثلا إنّما كانت تشتري أمن سفنها في غرب المتوسط من الباب العالي كما أنّ سياسة الجزائر الخارجية كانت في الغالب الأعمّ متماشية مع سياسة الباب العالي تحالفا وعداء ...
2. مع مملكة المغرب الأقصى : كانت علاقة ودّية فأسطول الجزائر كان من مهامه حماية الشواطئ المغربية والجزائرية على حدّ سواء وكان ملك المغرب يبعث بالمساعدات في حالة تعرض هذا الأسطول لنكبة أو أزمة بإرسال المال والسفن وغيرها ...
3. مع مصر كانت علاقة ودّية خاصة خلال الغزو الفرنسي لها فقد وقفت الجزائر في صفّها وقطعت علاقاتها مع فرنسا
4. مع تونس : تخلّلتها بعض النزاعات وخاصة سنة 1812م حيث قامت حرب بين البلدين انتهت بانتصار الجزائر ...
تعقيب :
ü إنّ السياسة الجزائرية الخارجية في أواخر القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر كانت قائمة على مبدأ ( فرّق وازدهر) والمقصود بها محاولة استغلال الصراعات الداخلية الأوربية والتنافس الشرس بين كلّ من فرنسا وبريطانيا على مناطق النفوذ ...فإنّه رغم الضعف الظاهر الذي عرفته الخلافة الإسلامية عموما والجزائر على وجه الخصوص خلال هذه الحقبة من الزمن إلاّ أنّ هذه السياسة المبنية على شدّة التنافس الأوروبي على تركة الرجل المريض ما عرف يومها بالقضية الشرقية قد أمدّ حياة دولة الخلافة وزاد في عمرها ما يقارب قرنين من الزمن وأخرّ احتلال الجزائر رغم الرغبات الشديدة والمحاولات المتكررة ...
ü بالنسبة للقنصل الأمريكي فإنّ دولة الجزائر دولة شاذة ونظامها نظامٌ ناشز إذْ بينما العالم كلّها خلال هذه الحقبة من التاريخ كان يرغب ويبحث عن السلام ويسعى بكلّ الوسائل لتحقيقه فإنّ الجزائر وحدها هي التي بقيت تعكّر هذا الاتجاه وتخالفه يقول القنصل شالر [9]:" ربّما كانت سنة 1814م أعظم السنوات قيمة في تاريخ الحضارة , فإنّ هذه السنة قد شهدت نهاية حرب طويلة دامت عدّة سنوات , وانجرّت إليها جميع الدول الأوروبية , كما شهدت انحلال أعظم تكتل للدول في تاريخ الإنسان (إمبراطورية نابليون) , وحكومة الولايات المتحدة المسالمة قد جرفها هي الأخرى التيار [في حربها] ضدّ بريطانيا التي عقدت معها معاهدة صلح في 24 ديسمبر من نفس السنة .
وبذلك انطفأت آخر شرارة للحرب التي نشرت الخراب والدمار في الممالك المسيحية.
لم تبق سوى الجزائر وقراصنتها الملعونين لتعكّر صفو السلام والهدوء الذي عاد إلى الإنسانية."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق