الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

قراءة في كتاب القنصل الأمريكي وليام شالر(10) السكان


)   البنية الاجتماعية للشعب الجزائري :
عدد سكان الجزائر :
يقول القنصل شالر : "...إنّ الآراء تختلف بشأن عدد سكان المملكة ,  والتقديرات لا تقوم على أساس تعداد السكان , بل هي تقريبية وبالمقارنة ببلدان أخرى التي عرفت إحصاءاتها .  وإذا اعتبرنا عدد المدن الصناعية والتجارية الصغير , والاستبداد القاسي في حكومة البلد , والحياة الرعوية التي يعيشها معظم السكان أعتقد أنّه على الرغم من مزايا المناخ المعتدل , فإنّ سكان المملكة أقلّ وليس أكثر من مليون نسمة ."[1]
تعقيب : لا يمكن الاطمئنان ولا الاعتماد على هذا التعداد الذي قدّمه الكاتب لأسباب كثيرة لعلّ أهمّها :
ـ أنّها مجرد افتراضات لا تستند إلى حقائق علمية ملموسة , كالعلاقة التي عقدها بين قلّة المدن الصناعية أو استبداد السلطة  من جهة وبين عدد السكان من جهة أخرى
ـ القنصل لم يخرج من مدينة الجزائر العاصمة قطّ خلال فترة خدمته بالجزائر ولم يزر المدن الداخلية حتى يمكنه التوقف على عدد سكانها
ـ ردّه ورفضه لجميع الإحصاءات المخالفة لرأيه وظنّه رغم أنّها قيلت من طرف معاينين كليون الإفريقي أو شاو وغيرهم من الجغرافيين والرحالين ومن طرف سكان المنطقة وهم أعرف ببلدهم ولا يوجد عندهم داع للمزايدة والكذب ...[2]
ـ وقوعه في تناقضات صارخة ...فالبليدة مثلا يزعم أنّ عدد سكانها يتراوح بين 8000 و10000 نسمة ولكن في زلزال 1825م توفي بها حوالي 10000 نسمة ومعلوم أنّ تحديد عدد وفيات الزلزال أوثق وأسهل من تحديد عدد سكان المدينة وهم أحياء منتشرون فيها يسعون لتحصيل عيشهم وكسب رزقهم ويستحيل أن يكون السكان قد قتلوا عن آخرهم بل لا بدّ أن يكون الناجون منهم أكثر من الهالكين كما يشهد بذلك تاريخ الزلازل ومعهودها ...منطقة غرداية الصحراوية القاحلة المنعزلة والبعيدة  يبلغ عدد سكانها بحسب القنصل دائما حوالي 30000 نسمة فكم هو عدد سكان مدينة عنابة الساحلية الصناعية التجارية الزراعية ذات المناخ المعتدل والطبيعة الجميلة الخلاّبة 4000 نسمة وعددهم في سهل وهران الخصب 8000 نسمة وفي تلمسان بسهولها وتاريخها وحضارتها 3000 نسمة 
ـ إنّ قصبة مدينة ندرومة وهي مدينة صغيرة بمنطقة تلمسان هذه القصبة التي يعود تاريخها إلى ما قبل الاحتلال لو ضربنا عدد منازلها في معدّل  أقلّ عدد أفراد الأسرة الجزائرية وهو أربعة (الأب والأمّ وطفلين) وأضفنا إليه سكان ضواحيها لبلغ عدد سكانها أكثر من 3000 نسمة , مدينة قسنطينة بقصبتها القديمة والكبيرة وبمدارسها الابتدائية التسعين وثانوياتها السبع ومساجد الجزائر المائة وسبعين 170 ... واصنع الشيء نفسه مع باقي المدن وستحصل على نتيجة ظنّية تخمينية نعم , ولكنّها أقرب إلى الموضوعية من طريقة القنصل التي لا تستند على شيء سوى مدن لا يعرفها وسلطة استبدادية  (مبالغ في وصفها) لا يمتدّ مفعولها وأثرها إلى كلّ مناطق الجزائر الداخلية
ـ ذكر الكاتب واستنادا إلى بعض أبناء منطقة غرداية أنفسهم  ـ وهم أعلم بمنطقتهم من غيرهم ـ أنّ طائفة بني ميزاب كان يبلغ عددها قبل الاحتلال حوالي 250000 نسمة  وتذكر كثير من المصادر أنّ عدد سكان العاصمة كان حوالي 150000 نسمة وأنّ سكان الجزائر كان سنة 1830 حوالي 3,2 مليون نسمة وأنّه بحلول سنة 1834م أصبح حوالي 2,7 مليون نسمة
البنية الاجتماعية لسكان الجزائر :
يقسم الكاتب المجتمع الجزائري إلى فصائل عدّة أوّلها الأتراك وهم في حسّه غزاة استولوا على السلطة  بالقوة والخديعة واستمروا فيها بالظلم والاستبداد , اختصوا دون سواهم بالسيطرة على أجهزة الحكم واستغلال ثروات البلاد ... وقد استغرق وصفهم بكلّ أوصاف السوء ونعتهم بكلّ ما هو قبيح صفحات عدّة من كتابه تقدم الكثير منها في بداية هذا الفصل وسنقتصر ها هنا على كلمة وجيزة ذكرها في الفصل الرابع الذي خصّصه للحديث عن السكان والذي يبدو فيه أكثر هدوءا واتّزانا  : "الأتراك شعب أصيل متميز عن غيره من الشعوب , ووجودهم في إفريقية بصفتهم غزاة , ولكنهم مع مرور الزمن اختلطوا بالسكان الأهالي و ولولا روافد المجندين الجدد من تركيا الذين يصلون إلى البلد باستمرار و لاندمج الأتراك في السكان الجزائريين , والأتراك يحافظون بدقّة على الشريعة الإسلامية ولكنهم يتحدثون اللغة التركية التي هي اللغة  المستعملة في الإدارة الحكومية "[3]
أما الأهالي فمن فصائلهم وطوائفهم ما يلي :
1. المورو : يقول عنهم الكاتب : "واسم السكان القديم (المورو) “moors”  اسم عام ,  فيما يبدو لي لجميع سكان المغرب الأقصى وبلاد البربر , ولكنه نظرا لأنّ كلّ ما يتعلق بتاريخ هذه البلاد غير محدّد في الأذهان فإنني التزمت بأن لا أطلق هذا الاسم إلاّ على السكان الجزائريين الذين أصفهم هنا .
فالمور الذين يشكلون أغلبية سكان المدن في الجزائر إذاً هم عبارة عن خليط من السكان الإفريقيين الأصليين والعرب والمهاجرين من الأندلس وهم يتغيرون ويتطورون باختلاطهم بالأتراك وبالإفريقيين الذين يسكنون في الداخل , بالمصاهرة والزواج , وهذا العنصر الأخير يفقد خصائصه البدائية بإقامته في المدن بعض الوقت حيث تتغير عاداته بالاختلاط بالعائلات الجزائرية .
ولغة المور هي لهجة محرفة عن العربية الفصيحة وهم يدينون بالإسلام , وعلى الرغم من أنهم ينتمون إلى عدّة أجناس , فهم يشكلون شعبا له شخصيته قومية متميزة وهم في هذا السياق يشبهون الشعب البريطاني شبها قويا وكذلك شعب الولايات المتحدّة .
وإذا اعتبرنا ما يتمتع به هذا الشعب من الروح الخلاقة والشخصية المنوعة الجوانب يبدو لي خليق بأن يبلغ متى واتته ظروف ملائمة درجة عالية من الحضارة ."[4]
2. العرب : وعن العرب يقول الكاتب : "والعرب يقطنون في السهول ويسكنون في الخيم وهم دائما يغيرون محل إقامتهم تبعا للفصول ولتوفر الكلأ لحيواناتهم .
وأخلاق العرب من النوع السائد في مناطق البدو الرحل , وهم بدون شك يتمتعون بفضائل أجدادهم الآسياويين كما يحملون رذائلهم أيضا .
والسؤال عن مدى اختلاط العرب بسكان سهول مريطانيا الرومانية التي فتحوها واستولوا عليها , سيظل دائما كوضوعا للحدس والنقاش وهم يتحدثون اللغة العربية ويعتنقون الإسلام  وملامحهم وأخلاقهم وسلوكهم وعاداتهم هي نفس ملامح العرب الآسيويين وسلوكهم وعاداتهم هو سلوك وعادات أولئك العرب الذين عدد من الرحالة الأوروبيين المشهورين ومن ثمّ فإنه من نافلة القول محاولة وصف العرب الآسياويين في هذا الكتاب .
والعرب تابعون للحكومة الجزائرية ولكنه فيما عدا دفعهم الضرائب لهذه الحكومة , هم في حالة شبه مستقلين ويخضعون لسلطان شيوخهم ولقوانينهم الخاصة .
ومتى وجد العرب أنّ استبداد الباي وطغيانه لا يطاق , يجلون إلى منطقة إدارية أخرى أو إلى الصحراء حيث لا تصل إليهم يد السلطة . وبهذه الطريقة خلت من سكانها كلية تقريبا سهول عنابة بولاية قسنطينة بسبب نزوح القبائل العربية عنها نتيجة لما تعرضوا له من الاستبداد الذي لم يكونوا يطيقونه وفي الحالة الأخيرة التجأ العرب إلى مملكة تونس .
والمساعدون في سلاح الخيالة من الجيش التركي في قسنطينة هم من العرب ."[5]
3. الميزابيون : يقول الكاتب متحدثا عنهم : "...وبنو ميزاب  , أو الميزابيون يعيشون في منطقة تقع في الصحراء في جنوب الجزائر وعلى مسيرة عشرين يوما منها بالقوافل التي تمشي خمسة أيام على الأقلّ بعد حدود الايالة دون تصادف الماء في طريقها.  أقول أنّ المسافة بين الجزائر ووادي ميزاب عشرون يوما وهذا قد يبدو غريبا وأنا على كلّ حال لم أتمكن من الحصول على معطيات دقيقة لهذه المسافة . فإنّ البعض أكد لي أنّ هذه المسافة هي أربعون يوما .
والحكومة لا تستطيع أن تتخلص من شعور الخوف وسوء الثقة نحو جميع هذه الشعوب , هذا إذا استثنينا شعب القبائل . والنتيجة التي تدلّ عليها معلوماتي التي أعتقد أنها صحيحة , هي أنّ هذه الأمة الصغيرة (بنو ميزاب) تتكون من خمس مناطق , وهي : غورديكا , بيريجان , ورجلة , انجوسا , نديم .
وهذه الأماكن مرسومة على خريطة إفريقية للميجر رينالس Rennel’s   بين درجة 3,0 ودرجة 33,0 عرض شمالي وهو شيء يتناقض تماما مع المعلومات التي جمعتها , اللهم إلاّ إذا كانت سرعة القافلة لا تتجاوز 15 ميلا في اليوم ولكنه يبدو لي أنّ الموضوع ينطوي على أكثر من غلطة واحدة , حيث أنه لم يقع أي قياس لتحديد موقع هذه المنطقة .
 أبلغني طالب ينتمي إلى وادي ميزاب ويقيم في الجزائر أنّ كلّ قبيلة  هناك يحكمها مجلس يتكون من اثني عشر عضوا من الأعيان (مجلس العزاب) الذين ينتخبهم الشعب , وقال لي أنّ عدد سكان المنطقة يبلغ في اعتقاده 250000 نسمة وهو تقدير يبدو لي مبالغا فيه , وقال لي أيضا أنه لم يبلغ علمه أنّ إحدى هذه القبائل دخلت في حرب مع الأجانب ولو أنّ النزاعات بينها كثيرة , وحسب ما قاله فإنّ هذه البلاد لا تكاد تعرف هطول الأمطار إلاّ في النادر , وهم يشربون من مياه الينابيع ويزرعون قليلا من الشعير , ولكن التمر هو أهمّ إنتلج البلد . وحوالي هذه البلاد ترتفع جبال عالية  يوجد فيها معدن الذهب . وسكانها يعرفون بالتمبكتيين , ولا يرتبطون بصلات تجارية مع أيّ بلد في داخل إفريقية , فيما عدا غدامس وتافيلالت .
والميزابيون قوم هادئون نشيطون في التجارة ومشهورون بالأمانة والنزاهة في الأعمال , وبلدهم يتمتع باستقلال تام عن حكومة الجزائر , والامتيازات التي يتمتعون بها وتجارتهم تضمنها معاهدة مكتوبة وقعتها حكومة الايالة , وهم في الشؤون  المدنية لا يعترفون بسلطة إلاّ للأمين  الميزابي الذي يقيم في الجزائر , وأنا أعتقد أنهم يتمتعون بامتيازات كثيرة , فإلى جانب كونهم الوكلاء المعترف بهم والوسطاء في التجارة مع داخل إفريقية , فهم يتمتعون أيضا باحتكار الحمامات العمومية والقصبات والطواحن .
 والميزابيون بيض اللون ولكن ملامحهم ومنظرهم العام تشبه ملامح العرب ومنظرهم . إنهم يدينون بالإسلام ولكنهم يخرجون عنه في مسائل يصعب شرحها .
 إنّ الميزابيون يرفضون أداء الصلاة في المساجد العمومية ولهم مسجد خاص بهم يقع خارج المدينة في مبنى طاحونة , وهناك يعقدون اجتماعاتهم ويؤدون الصلاة . وقد علمتُ  أنّ الذي يمنعهم من الصلاة في المساجد العمومية هو أنهم يعتبرونها أماكن غير طاهرة بسبب شبكة المجاري التي تجري فيها القاذورات تحتها .
والميزابيون يتحدثون نفس اللغة التي يتحدثها الشعب المسمى (القبائل) ولكن لغتهم أنقى وأكثر أناقة وهذا بدون شك يرجع إلى عاداتهم الهادئة وإلى ممارستهم حرفة التجارة .
ومن مجموع هذه الحقائق ومن وضعهم الجغرافي الخاص يمكن أن نستنتج أنّ الشعب الميزابي شعب أصيل لم يعتد أحد قط على أراضيه بالسطو والغزو . ولكن , ترى هل يمكن اعتبار الميزابيين أحفاد الجيطول , أم مجرد فرع من القبائل نزحوا إلى هذه المنطقة واستقروا فيها ؟ هذه مسألة محاطة بالشكّ .
 والميزابيون يستوردون إلى الجزائر العبيد والتبر وريش النعام والجمال والتمر , وذلك في مقابل البضائع المصنوعة التي يصدرونها ولكنني أعتقد أنّ هذه التجارة تجري في نطاق محدود  ...   "[6]
هذا بعض ما ذكره الكاتب عن بني ميزاب وسنؤجل التعليق والتعقيب إلى آخر هذا المبحث
4. البسكريون : يقول الكاتب : "... والبسكريون  يقطنون المناطق الجنوبية التي تقع على أطراف الصحراء وراء المنطقة التي تسمى (الشطّ) من المملكة . إنّ لهم سحنة سمراء , وهم شعب جدي , ويختلف كثيرا في مظهره وفي سلوكه عن غيره من القبائل العربية والإفريقية , وذلك على الرغم من أنهم يتحدثون لهجة محرفة من العربية ويرجح أن يكون فرعا للجنس العربي , ولكن سلوكهم تغير بسبب استقرارهم في المدن واختلاطهم بالأفارقة .
  وهذا الافتراض  يعزّزه ما نعرفه  من أنّ المنطقة التي يقيمون فيها تقع في طريق الفاتحين العرب الذين غزوا هذا الجزء من إفريقية في أمواج متعاقبة منذ القرن السابع الميلادي .
والبسكريون يخضعون لسلطان الجزائر ويعتبرون من أهدأ العناصر في المملكة , والسلطات تحتفظ بحامية تركية في أراضي بسكرة تحت سلطة قايد , وذلك على الرغم من أنّ البسكريين يتمتعون في الجزائر بامتياز التبعية لأمين يقطن هنا وتعترف به الحكومة . والبسكريون قوم مسالمون ومخلصون وكثيرا ما يستخدمون في المنازل حيث يتمتعون بالثقة , والبسكريون يحتكرون صناعة الخبز وهم الذين يحملون الخبز في الجزائر . وهم وحدهم الذين تستخدمهم الحكومة في إنجاز الأشغال العمومية , والبسكريون أيضا هم الذين يعملون وسطاء في التجارة بين الجزائر وغدامس .
ويبدو أنّ عاهة فقد البصر منتشرة كثيرا في الأمة البسكرية , وهي قد تكون راجعة إلى مناخ بسكرة الصحراوي . وفي الجزائر عدد كبير من البسكريين العمي الذين يعهد إليهم بمراقبة الشوارع والأبواب الداخلية في الليل والبسكريون لا يدينون بغير الدين الإسلامي "[7]
5. الطوارق :  يقول الكاتب متحدثا عن الطوارق  : "ويؤخذ مما ذكره الرحالون الموثوق بهم , ومن بينهم هورنمان وليون عن التوارق . أنّ هذا الشعب أبيض اللون كثير العدد شجاع ميال إلى الحرب وأنّ سلوكهم وعاداتهم المستقلة تختلف اختلافا كبيرا عن روح الضعة التي تسود في بلاد فزان وكذلك يسميهم هورنمان (الشعب العظيم) .
وأما القبطان ليون ,فقد ذكر أنه لم ير قط جنسا من الرجال أجمل من التوارق وهم يحتلون ذلك البلد الواسع الذي يمتد بين فزان وتيبستي والسودان وتمبكتو والمغرب الأقصى والحدود الجنوبية لبلاد البربر .
ولكن أكبر جزء من هذه البلاد عبارة عن صحراء شاسعة . وقد لاحظ هورنمان عندما تحدث عن واحة سيوة أن هذه الواحة تتحدث لغة التوارق وقد عرض قائمة من الكلمات ليستدل بها على هذا الرأي . ونحن لا نستبعد وجود علاقة ما بين سيوة وشاوية . وكذلك نلاحظ أن إحدى القرى الواقعة في هذه المنطقة تحمل اسم (أغرمي) وهو اسم ربما اشتق من كلمة (أغروم) أي الخبز  بمعنى أنّ الخبز كثير في البلد وبالتالي فهو كثير الخصب .
وقد لاحظ ليون أنهم يتحدثون لغة البربر الذين يسكنون جبال المغرب الأقصى وبلاد البربر التي يسمونها (أرضنا) ولكنه لا يقدم لنا أي نموذج لألفاظ لغتهم .
وقال أنهم يفخرون بقدم لغتهم ويدعون أنّ نوحا كان يفضل الحديث بها عن أية لغة أخرى , وأنهم لا يفهمون اللغة العربية إطلاقا , وأنهم لا يعرفون شيئا عن الإسلام , وراء بعض العبادات , ولكنهم يتمسكون بهذا الدين كثيرا . وكلا الرحالتين يذكر أنه توجد بين التوارق عدد من القبائل الوثنية .
ومن هذه الحقائق يتّضح لنا بما لا يدع للشكّ أنّ التوارق شعب أصيل لم تتعرض أراضيه قط للغزو , وأنه يحتفظ بلغة قديمة لها صلة وثيقة بلغة القبائل والشاوية . وهذا يفضي بنا إلى نتيجة , وهي أنّ هذه اللغة من أقدم لغات العالم , وقد عاشت وتغلبت على غزو الفنيقيين والرومان والوندال والعرب ."[8]


[1]  المرجع السابق ص 38
[2]  المرجع السابق انظر ص 111 وليون الإفريقي هو الحسن بن محمد الزياتي الفاسي ولد  بغرناطة بداية القرن العاشر هجري 901 أو 906هـ  انتقل للعيش بمدينة فاس حيث أصبح  سفيرا لملك المغرب الأقصى زار وجال في إفريقيا وفي بلاد الشام والحجاز وتركيا وقع في الأسر خلال رسو وتوقف سفينته بجزيرة جربة ثمّ قدم كهدية للبابا ليون العاشر الذي أكرهه على التّنصر وفي أواخر حياته انتقل إلى تونس ليموت في أرض الإسلام من أشهر كتبه (وصف إفريقيا) ترجمه للعربية سنة 1979م الدكتور عبد الرحمن حميدة , انظر الموسوعة الحرة وكيبيديا
[3]  الترجمة العربية ص 107
[4]  المرجع السابق ص 107 ـ 108
[5]  المرجع نفسه 108 ـ 109
[6]  المرجع السابق ص 110 ـ 111 ـ 112
[7]  المرجع السابق ص 109 ـ 110
[8]  المرجع السابق 122 ـ 123 ـ 124

الاثنين، 13 ديسمبر 2010

قراءة في كتاب وليام شالر (9) السياسة الخارجية (ب)


‌أ.       العلاقات الجزائرية الهولندية :
يقول عنها الكاتب : "وهولندا تستحق منّا فقرة خاصة لأنها أول دولة متمدنة تقوم بدفع الضريبة إلى الجزائر , وكذلك كانت سياسة هذا البلد تجاه الجزائر لا تقوم إلاّ على الحسابات التجارية الوضيعة ولا يدخل فيها أيّ اعتبار للكرامة أو للنفوذ ."[1]  معنى هذا أنّ هولندا لم يكن لها أطماع في الجزائر ولم تكن ترغب أو تسعى للحصول على مكتسبات أو نفوذ فيها وإنّما غاية هدفها حماية تجارتها ولا يهمّها أن تدفع ضريبة للجزائر في مقابل حماية أسطولها التجاري وتأمينه...
‌ب.العلاقات الجزائرية مع دول الشمال (اسكندينافيا):
يقول الكاتب : " وأما سياسة الدول الشمالية تجاه الجزائر فقد كانت تنحصر في المحافظة على السلم بأفضل ما يمكن أن تحصل عليه من الشروط , وقد تأثر الجزائريون كثيرا بحسن نيات هذه الدول وبوفائهم بالتزاماتهم في نطاق المعاهدات التي عقدت معهم , وذلك على الرغم من أنّ الجزائريين يعاملونهم بالطريقة التي يرون أنها تخدم مصالحهم أكثر من غيرها (أو قل بالطريقة التي ترضي جشعهم) حيث أنه يحدث من جهتهم أن يتجاهلوا المعاهدات التي عقدوها معهم كلّية ."[2]
‌ج.  العلاقات الجزائرية مع البرتغال :
كانت العلاقة البرتغالية الجزائرية قبل 1810م شبيهة بالعلاقة مع إسبانيا تحكمها الحرب ويصفها العداء ولكن ابتداء من هذه السنة الموافقة لحروب نابوليون توسّطت بريطانيا حليفتها لتعقد مع الجزائر معاهدة صلح تؤمّن لها نشاطها البحري ... وتدفع بموجبه أكثر من مليون دولار إضافة إلى ضريبة سنوية مقدارها 24000 دولار [3]

‌د.     العلاقات الجزائرية مع الدويلات الإيطالية والجزر البحرية الغربية:[4]
1. سردانيا  سنة 1816م وقعت معاهدة صلح التزمت بموجبها دفع ضريبة في شكل هدية قنصلية تقدر بـ : 5000 جنيه استرليني وأن تفدي أسراها الموجودين في الجزائر بمبلغ 500 دولار لكل واحد ..وأن تسترجع الجزائر جميع أسراها بدون فدية...
2. نابلي : التزم ملكها في نفس السنة بدفع ضريبة مماثلة لضريبة البرتغال وأن يدفع مبلغ 1000 دولار فدية لكلّ واحد من أسراه إضافة للهدية القنصلية التي تدفع مرة كلّ سنتين
3. جبل طارق
4. مالطا
5. هانوفر
6. جنوة : هذه المملكات الثلاث  كانت تعتبرها الجزائر تابعة لبريطانيا فعاملتها وفق المعاهدة التي أبرمتها معها 

‌ه.     مؤتمر فينا 1815م :[5]
انعقد المؤتمر بين فترتي سبتمبر 1814م ويونيو 1815 في مدينة فيينا عاصمة النمسا تحت إشراف ورئاسة رجل الدولة النمساوي كليمنس فينتزل وقد شارك في هذا المؤتمر أكثر من 200 دولة وعائلة حاكمة ,
كان للمؤتمر عدّة أهداف أوّلها :
ـ تسوية العديد من القضايا الأوروبية والصراعات الداخلية الحدودية على وجه الخصوص الناشئة عن حروب الثورة الفرنسية والحروب النابولونية
ـ تفكيك الأمبراطورية الرومانية المقدّسة
ـ  تحديد مناطق النفوذ البريطاني الفرنسي الروسي والنمساوي
ـ تحريم تجارة الرقيق
ـ حرية الملاحة البحرية
ولعل ما يهمّ الجزائر حينئذ من هذه الأهداف والبنود المناقشة هي البنود الثلاثة الأخيرة فقد حاولت كلّ من فرنسا وإسبانيا ادّعاء الحقّ الحصري في النفوذ التجاري والاقتصادي بدول شمال إفريقيا مستندة بقربها الجغرافي وقدم وعظم مصالحها هناك ...وعارضت بريطانيا هذا الطرح بناء على أنّها في تلك الفترة هي التي كانت تملك مصالح كثيرة ومتنوعة في شمال إفريقيا وفي الجزائر على وجه الخصوص ...
وقصد الدول الأوربية من تحريم الرقّ وحرية الملاحة البحرية هو محاولة ضرب الأسطول الجزائري والقضاء عليه ولكن الصراع الأوروبي الداخلي وخاصة بين فرنسا وبريطانيا حال دون ذلك ولعلّ من أهمّ أسباب فشل هذا التحالف على هذا المستوى هو السياسة الجزائرية العثمانية التي كانت منتهجة وهي سياسة: (فرّق وازدهر) وغاية ما وصلوا إليه في هذا المجال هو أوّلا : تحريم الرقّ الأسود دون غيره ثانيا : حرية الملاحة في العديد من الأنهار الأوروبية دون الإشارة من قريب أو بعيد لمطلق الرقّ وخاصة أسرى الأسطول الجزائري ..ولا لحرية الملاحة في المتوسط .
وممّا قاله الكاتب عن مؤتمر فيينا ممّا يتعلق بالجزائر ما يلي[6] : " وفي نهاية 1814م عقد مؤتمر في فيينا ضم جميع الدول المتحضرة في القارة الأوربية وهناك أرسيت قواعد واسعة ومتينة للعدالة والانصاف والاستقلال ورخاء جميع الأمم .
وفي نطاق هذا المؤتمر شكلت مجالس  لمناقشة جميع المسائل المهمة لأوروبا وقد استمرت جلسات مؤتمر فيينا حتى السنة التالية حين قطعها حادث آخر خطير الشآن .
هل حقّق هذا المؤتمر العظيم الآمال الكثيرة التي علقت عليه ؟
ذلك سؤال لا يعنيني البحث عن جواب له في هذا الكتاب .
ولكنه نظرا لأنّ مؤتمر فيينا قد عالج مسائل ذات طابع عام مثل مسألة تحريم الرقّ والتجارة في العبيد الإفريقيين (وهي مسألة كانت تساند حلّها دول بحرية كبيرة لاعتبارات إنسانية ودينية ) فقد كان من الطبيعي أن ينتظر الناس من هذا المؤتمر أن يبحث إدّعاءات هؤلاء البربر المناقضة للسلوك الاجتماعي والذين كانوا حينئذ يحتجزون أكثر من ألفين من الأوروبيين في قيد العبودية هنا , ويتّخذ إجراء بتحريم القرصنة , التي هي لطخة مشينة للحضارة وإلغائها كلّيا.
كانت بريطانيا  قد ألقت بكلّ ثقل نفوذها بحق في هذا المؤتمر وأيّدت فكرة إلغاء الرٌ الأسود , ولكن فرنسا وأسبانيا والبرتغال كانت تعارض قرار بهذا الشأن بدافع من مصالحها الخاصة , ولكن بريطانيا لم تعارض سوى معارضة مائعة فكرة إلغاء استقلال كلّ من إيطاليا وبولندا والبندقية وجنوة , بل وحتى تقسيم حليفتها دولة ساكسون القديمة لارضاء شهوة حلفائها وشرّهم , ولكن بريطانيا كانت تصغي بأذن صمّاء لكل اقتراح قدم أمام المؤتمر يستهدف تحريم قرصنة بلاد البربر , ولما سئل رئيس وزراء بريطانيا في البرلمان بعد ذلك بشأن هذه القضية ادّعى أنّ معاهدات بريطانيا مع بلدان المغرب هي التي تبرر هذا الموقف , ولكن المؤرخ الذي عالج مؤتمر فيينا لم يتردد في أن يصف موقف الوزير البريطاني فيه بأنه قد أوحت به الأنانية ويقوم على ضغط المصالح ."
‌و.    10. مؤتمر إكس لا شابيل :
عقد هذا المؤتمر في مدينة آخن أكس لاشبيل بألمانيا عام 1818م شاركت فيه كبرى الدول الأوروبية وهي بريطانيا فرنسا روسيا النمسا وبروسيا كان يهدف علنا إلى حفظ السلام المنبفق عن مؤتمر فيينا 1815م ولكنّ قراراته حفّت بسرّية كبيرة لتعلقها بمسألة الاستعمار وتقسيم مناطق النفوذ والعمل من أجل القضاء على الأسطول الجزائري , وفي هذا الشأن يقول الكاتب :" وفي أواخر نفس السنة [1818م] اجتمع ملوك الدول الأوربية الكبيرة في مدينة إيكس لاشابيل في مؤتمر جديد من أجل تجديد المصالح العامة للعالم المتحضر على أساس متين , فيما قيل , على أنّ نتائج المداولات التي جرت في هذا المؤتمر لم تنشر , ويبدو أنّ مصالح الجنس البشري قد بقيت بدون تحديد , كما كانت من قبل .
ومع ذلك , فإنّ أسطولا بريطانيا فرنسيا قد وصل إلى الجزائر في سبتمبر 1819م وأعلن قائداهما للداي أنّ مؤتمر  إيكس لاشبيل قد قرّر أنه يجب على دول البربر أن تمتنع عن ممارسة القرصنة في المستقبل وإعلان الحرب على أيّة دولة مسيحية أوربية .
وبعد بضعة أيام من التفكير والتروي , رفض الداي هذا الإنذار محتجا بالحقوق التي تعترف بها للدزائر معاهدات دولية رسمية أقرّها العالم كلّه خلال قرونا متوالية .
والمسألة هي ما إذا كان مؤتمر إيكس لاشبيل جادا حقيقة في هذه المناسبة أم أنّه وقع ضحية للمغالطة والتضليل بالتقارير التي قدّمها الأطراف التي كلّفت بتنفيذ قراراته التي تتعلق بدول البربر ."[7]  وقال في موضع آخر : "إنني أحب أن أعتقد أنّ الحزم الذي أبدته الدول الكبيرة في مؤتمر إيكس لاشبيل سيكون من نتائجه تنفيذ قرارات ذلك المؤتمر ضدّ الدول البربرية ."[8]

‌ز.     . علاقة الجزائر بالعالم الإسلامي :
أما علاقة الجزائر بالعالم الإسلامي فقد كانت علاقة أخوة واحترام  وعلاقة تعاون وتآزر تلزمها العقيدة المشتركة وتفرضها أخوة الإسلام . والكاتب لم يتعرض لهذه العلاقة كثيرا إلاّ في مواضع سبقت الإشارة إلى بعضها ونحاول ها هنا تسجيل بعض النقاط المتعلقة بهذه العلاقة مستعينين بما ورد في المذكرات ...
1. مع الأستانة  عاصمة الخلافة الإسلامية (الباب العالي) : كانت الجزائر تابعة للأستانة تبعية اسمية في غالب الأحيان , وتبعية حقيقية أحيانا أخرى فروسيا والنمسا مثلا إنّما كانت تشتري أمن سفنها في غرب المتوسط من الباب العالي كما أنّ سياسة الجزائر الخارجية كانت في الغالب الأعمّ متماشية مع سياسة الباب العالي تحالفا وعداء ...
2. مع مملكة المغرب الأقصى : كانت علاقة ودّية فأسطول الجزائر كان من مهامه حماية الشواطئ المغربية والجزائرية على حدّ سواء وكان ملك المغرب يبعث بالمساعدات في حالة تعرض هذا الأسطول لنكبة أو أزمة بإرسال المال والسفن وغيرها ...
3. مع مصر كانت علاقة ودّية خاصة خلال الغزو الفرنسي لها فقد وقفت الجزائر في صفّها وقطعت علاقاتها مع فرنسا
4. مع تونس : تخلّلتها بعض النزاعات وخاصة سنة 1812م حيث قامت حرب بين البلدين انتهت بانتصار الجزائر ...
تعقيب :
ü إنّ السياسة الجزائرية الخارجية في أواخر القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر كانت قائمة على مبدأ ( فرّق وازدهر) والمقصود بها محاولة استغلال الصراعات الداخلية الأوربية والتنافس الشرس  بين كلّ من فرنسا وبريطانيا على مناطق النفوذ ...فإنّه رغم الضعف الظاهر الذي عرفته الخلافة الإسلامية عموما والجزائر على وجه الخصوص خلال هذه الحقبة من الزمن إلاّ أنّ هذه السياسة المبنية على شدّة التنافس الأوروبي على تركة الرجل المريض ما عرف يومها بالقضية الشرقية قد أمدّ حياة دولة الخلافة وزاد في عمرها ما يقارب قرنين من الزمن  وأخرّ احتلال الجزائر رغم الرغبات الشديدة والمحاولات المتكررة ...
ü بالنسبة للقنصل الأمريكي فإنّ دولة الجزائر دولة شاذة ونظامها نظامٌ ناشز إذْ بينما العالم كلّها خلال هذه الحقبة من التاريخ كان يرغب ويبحث عن السلام ويسعى بكلّ الوسائل لتحقيقه فإنّ الجزائر وحدها هي التي بقيت تعكّر هذا الاتجاه وتخالفه يقول القنصل شالر [9]:" ربّما كانت سنة 1814م أعظم السنوات قيمة في تاريخ الحضارة , فإنّ هذه السنة قد شهدت نهاية حرب طويلة دامت عدّة سنوات , وانجرّت إليها جميع الدول الأوروبية , كما شهدت انحلال أعظم تكتل للدول في تاريخ الإنسان (إمبراطورية نابليون) , وحكومة الولايات المتحدة المسالمة قد جرفها هي الأخرى التيار [في حربها] ضدّ بريطانيا التي عقدت معها معاهدة صلح في 24 ديسمبر من نفس السنة .
وبذلك انطفأت آخر شرارة للحرب التي نشرت الخراب والدمار في الممالك المسيحية.
لم تبق سوى الجزائر وقراصنتها الملعونين لتعكّر صفو السلام والهدوء الذي عاد إلى الإنسانية."


[1] الترجمة العربية ص 133 ـ 134
[2]  المرجع نفسه ص 134
[3]  المرجع نفسه ص 135
[4]  المرجع السابق ص 150 ـ 151 ـ 154
[5]  انظر موسوعة وكيبديا الحرة (مؤتمر فيينا)
[6]  المرجع السابق ص 145 ـ 146
[7]  المرجع السابق 177 ...
[8]  المرجع نفسه 183  
[9]  المرجع السابق ص 144 ـ 145